على مد النظر في مقاطعة مرسيد الواقعة وسط الوادي المركزي بكاليفورنيا، يمكننا رؤية صفوف متناظرة من المحاصيل، ولا يتخلل تلك الصفوف سوى عدد من المزارع أو المنازل العائلية.
يبدو أحد هذه المنازل متواضعا من الخارج. لا يوجد أي شيء غير عادي فيه أو في الأراضي المحيطة به، باستثناء وجود مجموعة صغيرة من النساء، اللاتي يرتدين أثوابا ناصعة البياض، ويحرقن البخور، وينشدن ترانيم وهنّ يمشين بخطوات صغيرة مباركات لنباتات القنب.
هؤلاء النساء هن “راهبات الوادي”، والمعروفات باسم راهبات الحشيش.
تقود الأخت كايت مجموعة الراهبات اللاتي يعرّفن عن أنفسهن كمعالجات ونسويات، ولكن الأهم من ذلك: صاحبات أعمال. علما أنهنّ لا يمثلن أي ديانة رسمية.
تقول الأخت كايت: “اخترت صناعة مضطربة؛ من المحتمل أن تتجه الأمور إلى شكل غير منظّم وربما سأضطر إلى المراوغة”.
تشير بذلك إلى جميع الجوانب التقنية المربكة بخصوص القوانين المتعلقة بصناعة القنب في كاليفورنيا.
وكاليفورنيا هي موطن لما يسمى بـ”الاندفاع الأخضر” لإنتاج القنب؛ فهي أول دولة تقنن الماريجوانا الطبية وكان ذلك في عام 1996، كما أصبح الاستخدام الترفيهي لهذه العشبة قانونيا منذ عام 2016.
ومع ذلك، فإن قانون الولاية مليء بالثغرات التنظيمية، ما يعني أن شرعية زراعة الماريجوانا تختلف من مقاطعة إلى أخرى ومن مدينة لأخرى.
لذلك، رغم أنه قد يكون من القانوني استخدام القنب في الولاية، إلا أن ما يقارب من ثلثي المدن في كاليفورنيا حظرت تجارة الماريجوانا، في حين جعلت بقية المدن الحصول على تصاريح عمل بتجارتها أمرا صعبا للغاية.
هذا يعني أنه بالنسبة إلى راهبات الوادي، فإن زراعة ستين نبتة، هنا في مقاطعة ميرسيد، قد لا تكون عملا قانونيا.
تعترف الأخت كايت: “الشرطة تعرف بأمرنا، وسمحوا لنا بالقيام بذلك. لكن ليس هناك حقا سبب يدعوهم للسماح لي بذلك. كان من الممكن أن يغلقوا المكان لمجرد أنه من غير القانوني زراعة القنب في هذه المقاطعة. لكنني أعتقد أنهم يعلمون أننا سنتحدى القانون ونغيّره بعد ذلك في المقاطعة. وأعتقد أنهم يعرفون أنها ستكون معركة لا يريدون خوضها”.
هناك منزل ثان تسميه الأخوات “الدير” حيث تصنع الأدوية.
تصب الأخت كاميليا بعناية زيت الكانابيديول(CBD) فائق القوة في عبوات على شكل قطّارات؛ إنهن ينتجن ويبعن أدوية ومراهم تعتمد على القنب، وهو عمل كان يحقق قبل الوباء 1.2 مليون دولار سنويا (مليون جنيه إسترليني).
ورغم صلاتهم عل كل دفعة من النباتات ومباركتها، إلا أنهنّ الآن لا يحصّلن إلا نصف ذاك المبلغ.
قد يساعد البيع من خلال المستوصفات على إعادة تحسين الوضع، لكن هذا قد يعني المزيد من التشريعات والمزيد من الضرائب.
على بعد عشرين ميلا منهن، وفي وسط مدينة ميرسيد، يعمل جويل رودريغيو، الذي يدير متجر القنب المحلي بشكل قانوني.
ومع ذلك، فقد فرضت كاليفورنيا الكثير من الضرائب على سلسلة توريد القنب، كما يقول رودريغو إنها تدفع الناس لترك أعمالهم، أو للعمل خارج المسموح به قانونيا.
ورودريغو واحد من العديد من الذين يعملون في شركات القنب في كاليفورنيا ويشتكون من الضرائب الخانقة مع ارتفاع تكاليف التشغيل.
“نتعامل مع معدلات الضرائب بالإضافة إلى النفقات التي لا تشغل بال تجار السوق السوداء، مثل كشوف الإيجار والأشياء الأساسية مثل الإنترنت، تلك الأشياء التي يتعين علينا التعامل معها كل يوم، لا يمكننا شطب ذلك، وهذا كله يدخل في التكلفة النهائية”.
تبلغ رسوم التقديم الأولية للحصول على ترخيص بيع بالتجزئة في كاليفورنيا ألف دولار.
وبعد ذلك، تدفع رسوم إدارية وتنظيمية حكومية سنوية قد تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات سنويا للشركات الصغيرة، وما يقارب من مئة ألف دولار للشركات الأكبر.
والعمل بشكل قانوني أغلى بكثير من العمل بشكل غير قانوني، الأمر الذي يعتبر حافزا لتجار القنب.
وتقدر قيمة تجارة الماريجوانا غير القانونية بحوالي ثمانية مليارات دولار، أي ما يقرب من ضعف حجم التجارة القانونية في كاليفورنيا عام 2021.
يقول أحد التجار السريين، الذي لم يرغب في الكشف عن اسمه، إنه يستطيع تقديم منتج أفضل وتحقيق المزيد من الأرباح من خلال العمل خارج المعايير القانونية.
ويضيف: “إن مجرد محاولة الحصول على هذا الترخيص سيكلفك حوالي مليون دولار”.
وفي جميع أنحاء ولاية كاليفورنيا، أصبح أولئك الذين اعتقلوا الأشخاص بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالقنب، يدعمون الآن تحويله إلى عمل قانوني.
يقول روبين تشافيز، رئيس الشرطة من قسم جوستين في سنترال فالي: “نحن بحاجة إلى تسهيل الأمر قليلاً على الأشخاص الذين يقومون بذلك بشكل قانوني. سهّلوا عليهم أن يكونوا قادرين على الإنتاج بدلا من المرور بالعديد من العراقيل”.
حتى الآن من هذا العام، تلقت كاليفورنيا ما يقارب 580 مليون دولار من عائدات الضرائب، ويعتقد رئيس الشرطة أن تخفيف اللوائح التشريعية سيؤدي إلى المزيد من الإيرادات لمدينته وسيساعد جهود وزارته في القضاء على التجارة غير المشروعة.
ويقول: “مواردنا تتضاءل، ولكن إن تمكنا من الحصول على بعض الإيرادات وبعض المساعدة ليس فقط من الدولة، بل ربما من نظام الاحتياطي الفدرالي لملاحقة هؤلاء الذين يقومون بذلك بشكل غير قانوني. إذا أوقفت المزارعين غير الشرعيين والعمليات غير القانونية على نحو أفضل قليلا، فأعتقد أن التجارة القانونية ستجني مزيدا من الإيرادات”.
وتقول الأخت كايت إن هذا النهج سيفيد المزارعين مثل راهبات الحشيحش. “الحقيقة هي أنني أود لو يسمحوا لنا بذلك، لأن ذلك سيكون مكسبا لنا، ولأننا نؤمن بدفع الضرائب”.