الموجة الثانية من أي وباء هي الأصعب تاريخياً. فبالنظر إلى تاريخ الفيروسات والأوبئة نجد أن معظمها جاء عبر عدة موجات لم تكن الأولى هي الأصعب من بينها، بل على العكس، كانت الموجة الثانية هي الأعنف والأشد فتكاً في معظم الحالات، كما أنه يحدث غالباً في الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي أنها تنتشر على نطاق واسع ثم تتراجع تماماً مثل موجات البحر الزلزالية “تسونامي”، وبعد بضعة أشهر تعاود الظهور من جديد وتنتشر في العالم أو في أجزاء منه فيما يعرف بالموجة الثانية.
ينقل تقرير بصحيفة “ديلي تلغراف” عن عالم الفيروسات ومدير مركز الأبحاث البيولوجية الخلوية في مركز يو سي إل في لندن، فرانسوا بالو، قوله: “إن أوبئة الإنفلونزا اعتادت على التفشي في ثلاث موجات، تكون الأولى منها في فصل الخريف، تليها موجة ثانية في الشتاء تكون أشد ضراوة ثم موجة ثالثة في الخريف التالي”.
فيما يلي تاريخ بعض الأوبئة وموجاتها الأعنف
الموجة الثانية من الإنفلونزا الإسبانية
تعد أشد وباء هاجم العالم في القرن العشرين – استمرت في الفترة من 1918 لـ 1920، ضربت العالم عبر ثلاث موجات بعد الحرب العالمية الأولى كانت الموجة الثانية هي الأشد فتكاً من بينها، ففي خريف عام 1918 حدثت الموجة الثانية وتسببت في معظم وفيات هذه الجائحة التي أصابت 500 مليون شخص في جميع أنحاء العالم وقتلت ما يقدر بنحو 20 إلى 50 مليون شخص، ظهر الفيروس لأول مرة في ربيع عام 1918، ولكن يبدو أنه قد تحور عندما ارتفع مرة أخرى في الخريف، مما أدى إلى موجة ثانية مميتة.
ويعتقد بعض الباحثين أن الموجة الثانية كانت ناتجة عن طفرة جعلت الفيروس غير معروفة بالنسبة لمناعة البشر، وهناك احتمال آخر يتعلق بحركة الفيروس نحو السكان الذين لم يتعرضوا للفيروس وتتسم مناعتهم بالضعف.
وبحسب تقرير لصحيفة “ديلي ستار” البريطاني قال جيمس هاريس، مؤرخ الأمراض المعدية والحرب العالمية الأولى إن الحركة السريعة للجنود في جميع أنحاء العالم كانت هي الموزع الرئيسي للمرض، وبعد أن بدأ الفاشية الأولى في حصد أرواح الآلاف في أغسطس/آب من ذلك العام، سرعان ما عادت وقتلت أكثر في الموجة الثانية.
وفى الفترة ما بين سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني عام 1918، أودت الإنفلونزا الإسبانية بأرواح أكبرعدد، فقد شهد شهر أكتوبر/تشرين الأول وفاة 195000 شخص في الولايات المتحدة وحدها، وكان الأطباء في حيرة حول مدى سرعة وفاة الشباب والأصحاء.
وبدون لقاح اندلعت موجة ثالثة في أستراليا في يناير/كانون الثاني 1919، ومرة أخرى اكتسحت الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن بدون الحركة الجماعية للقوات لم تكن العدوى قادرة على الانتشار بسرعة.
قال عنها اختصاصي الوبائيات الدكتور “ويليام هاناج” من كلية تي إتش تشان للصحة العامة بجامعة هارفارد “لقد عاد هديراً وكان أسوأ بكثير”.
كما قال علماء الأوبئة أنه لا يوجد تعريف رسمي للموجة الثانية، لكنهم يعرفون ذلك عندما يرونها.
الموجة الثانية من الطاعون
ضرب الطاعون الدملي العالم عدة مرات خلال الألفي عام الماضية ليودي بحياة الملايين من البشر، وقسم المؤرخون موجات الطاعون الكبيرة إلى ثلاث موجات عاتية: الأولى طاعون “جستنيان” الذي ظهر في القرن السادس، ثم وباء القرون الوسطى الذي ظهر في القرن الرابع عشر، و أخيراً الوباء الذي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وبدأت جائحة العصور الوسطى عام 1331 في الصين، ما أدى بجانب الحرب الأهلية آنذاك إلى مقتل نصف سكان الصين، ومن هناك انتقل الطاعون على طول الطرق التجارية إلى أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط فقتل خلال الفترة بين 1347 و1351ما لا يقل عن ثلث سكان أوروبا.
انتهت الموجة الثانية الأشد فتكاً -وباء العصور الوسطى- لكن الطاعون تكرر بموجة ثالثة فاتكة أيضاً في الصين عام 1855، وانتشرت كذلك إلى جميع أنحاء العالم ما أسفر عن مقتل أكثر من 12 مليوناً في الهند وحدها.
الجديري
كان مروعاً في حينه حيث استمر في اجتياح العالم طيلة 3000 عام على الأقل عن طريق تعرض الأفراد المصابين للحمى، ثم للطفح الجلدي ثم إلى بقع مليئة بالصديد قبل أن تجف وتسقط تاركةً ندوباً.
قتل الجديري ثلاثة من كل عشرة من ضحاياه بعد معاناة شديدة مع أعراضه، لكن لعدة أسباب أمكن إيجاد لقاح فعال يوفر حماية مدى الحياة لفيروس “فريولا” الذي يسبب المرض، من أهم هذه الأسباب أنه ليس لديه مضيف حيواني يحمله إلى البشر، لذا فإن القضاء على المرض في البشر يعني القضاء التام عليه. كذلك، فإن أعراضه مميزة وواضحة، ما يسمح بالحجر الصحي الفعال وتتبع طرق المخالطة.
فيروس سارس
لم يصل تفشي “سارس” الذي ظهر في آسيا في الفترة 2002-2003 إلى نطاق الوباء، إلا أنه انتشر خلال موجات أيضاً كانت الثانية أعنفها، وقد كان سارس بسبب إحدى سلالات فيروس كورونا، إلا أنه لم يكن معدياً مثل المسؤول عن السلالة الحالية المتسببة في (كوفيد 19).
اقتصر انتشار سارس بشكل أساسي على المستشفيات والأماكن التي احتك الناس بها بشكل مباشر ووثيق بالمرضى.