اقترب فصل الشتاء، وبدأ المواطنون في واحدة من أغنى دول العالم يرفعون درجة التأهب. ففي العام الماضي، أغرقت الأمطار الغزيرة أجزاءً من مدينة الكويت العاصمة. وانتشرت الزوارق السريعة على طول الطرق المصطفة بأشجار النخيل، مروراً بسيارات شبه مغمورة في المياه، لتعلو الأصوات بأحاديث عن عدم كفاءة شبكات الصرف وفساد في عقود رصف الطرق.
«يجب أن تتغير الأمور»
فمن جانبه، قال عبدالله محمد، الموظف بوزارة الإعلام الكويتية لشبكة Bloomberg الأمريكية: «ربما تكتمل في عام 2050، لكن على الأمور أن تتغير أولاً».
وبالرغم من اندلاع غضب شعبي عارم، لا تزال كثير من الشوارع بحاجة للإصلاح. وبدلاً من إجراء هذه الإصلاحات، أمضت الحكومة معظم السنة تفكر في خططٍ لبناء تجمع ضخم يسمى «مدينة الحرير»، هو محور خطة مدتها 15 عاماً لتنويع اقتصاد دولة الكويت بعيداً عن النفط، التي أُرجِئت لأجلٍ غير مسمى، مع تعطل مشاريع البنى التحتية، وحتى الموظفون المدنيون استسلموا لليأس.
وأنذرت أسابيع من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العراق ولبنان باندلاع مظاهرات نادرة الحدوث في الكويت الأربعاء، 6 نوفمبر/تشرين الثاني، ضد تفشي الفساد الحكومي وسوء الإدارة. إذ استجاب الآلاف لدعوة الخروج في احتجاجات سلمية مساء أمس، في «ساحة الإرادة»، أمام مقر المجلس التشريعي الكويتي، وسط وجود أمني كثيف. وطالب المحتجون كلاً من حكومة رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح والبرلمان بالاستقالة.
يشار إلى أنَّ الاحتجاجات في عامي 2011 و2012 اكتسبت الزخم تدريجياً، وأسفرت عن إقالة رئيس الوزراء، ومع ذلك، كان لا يزال هناك شعور كامن بالإحباط.
«لا يمكننا المتابعة بهذا الشكل»
الكويت هي الدولة الوحيدة في الخليج التي أتاحت لشعبها فرصةً حقيقية للتعبير عن رأيه في كيفية حكمه، وبهذا أوجدت معضلة. فأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح هو من يتولى تعيين رئيس الوزراء. وفي مواجهة هذه الحكومة يقف عادة برلمان مُنتخَب يكتظ بالمُشرِّعين «الشعبويين». ويُحظَر تكوين أحزاب؛ لذا لا يوجد كيان معارض متماسك، لكن الجمود السياسي الخانق، الذي تُسهِب في وصفه أكثر الصحف حريةً في الخليج يشير إلى عدم إنجاز سوى القليل من التغيرات. ولا تزال صناعة النفط، وهي الوحيدة النقابية في المنطقة، تعارض الخصخصة بقوة.
وفي هذا السياق، قال محمد الدلال، أحد المشرعين، في مقابلة، إنَّ الكويتيين يدعمون الأسرة الحاكمة وهم «سعداء بمستواهم الاقتصادي، لكن في الوقت نفسه نشعر بالحزن إزاء الفساد والإدارة والخدمات المتردية، لا يمكننا المتابعة بهذا الشكل».
وتُشكّل أصول الكويت، البالغة 592 مليار دولار، وامتلاكها رابع أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، درع أمان مهماً لها، لكن الدولة أقرت بنفسها أنَّ إنذار الخطر انطلق. لذا، تتطلع الحكومة، من خلال مشاريع مثل مدينة الحرير، إلى تخفيف إدمانها على عائدات النفط وتقليص المساعدات سيراً على خطى القوة الإقليمية بالمملكة العربية السعودية.
لكن الجمود السياسي في الكويت أدى إلى تعقيد الجهود الرامية إلى وقف إهدار المال، مثل نظام الرفاهية الأكثر سخاءً في منطقة الخليج.
«مشكلة كبيرة»
يُقدَّر إجمالي الإعانات الحكومية على الإسكان والوقود والغذاء بنحو 2000 دولار شهرياً للعائلة المتوسطة. وبالإضافة إلى التعليم المجاني، يتلقى خريجو الجامعات 650 دولاراً شهرياً إلى أن يحصلوا على وظيفة. أما الرواتب والدعم الحكومي، فتستأثر بثلاثة أرباع إجمالي الإنفاق العام، في الوقت الذي توشك فيه الكويت على دخول السنة الخامسة لها على التوالي منذ معاناتها من عجز في الموازنة نتيجة انخفاض سعر النفط عام 2014. ويبلغ عدد المواطنين الكويتيين 1.4 مليون، إضافة إلى 3.3 مليون من الجاليات الأجنبية.
وفي الوقت نفسه، عرقلت المعارضة البرلمانية خططاً لفرض أول ضريبة على الإطلاق في الكويت -هي ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% التي وافق عليها مجلس التعاون الخليجي المُكوَّن من ست دول منذ ما يقرب من أربع سنوات- وكذلك قانون يسمح للحكومة بطرح أول إصدار سندات لها منذ عام 2017.
وذكرت شركة Al-Shall Economic Consultants للاستشارات الاقتصادية، ومقرها الكويت، أنه لا بد أن تدرك الكويت أنَّ الحفاظ على استدامة سياستها النقدية «المنُفلِتة» أصبح مستحيلاً، مضيفة: «إذا كانت تريد النجاح، فذلك يعني تطور الدولة إلى النموذج النرويجي، أما فشلها فسيعني انزلاقها إلى سيناريو فنزويلا».
أو على حد تعبير يوسف الإبراهيم، مستشار الديوان الأميري، فستقع الكويت في «مشكلة كبيرة.. كبيرة»، خلال خمس سنوات، إذا لم تتغير عادات الإدارة والإنفاق.
العاصمة البديلة.. حلم «مدينة الحرير»
تُصوَّر مدينة الحرير على أنها منعطف تاريخي بالنسبة للكويت، وأنها بمثابة اختبار للسياسة التشاركية في منطقة تهيمن عليها الملكيات شبه المطلقة التي تكافح أيضاً لإجراء تغييرات اقتصادية واجتماعية عميقة.
ووُضِع مشروع مدينة الحرير منذ عقدٍ من الزمن، ويُروَّج له على أنه سيكون عاصمة بديلة لـ700 ألف شخص، ويشمل أطول مبنى في العالم، ومحمية للحياة البرية، ومواقع سياحية، ومطاراً جديداً. لكن، وتذكيراً للعقبات التي تواجه تنفيذه، رفض المُشرّعون مشروع قرار سابق بشأن المدينة؛ خوفاً من أن يخلق ذلك دولة داخل الدولة، حيث تُقبَل محظورات مثل شرب الكحول.
ويعد مشروع مدينة الحرير الإصلاحي الملكي، الذي يرأسه الابن الأكبر لأمير دولة الكويت الأمير ناصر، منافساً للعائلات التجارية القوية في البلاد، التي ترغب في الاحتفاظ بامتيازات تاريخية.
وفي هذا الصدد، علَّق حسن جوهر، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، هذا المشروع «هو أولى خطوات مسيرة كفاح ضخمة بانتظار الدولة… يمكن أن تغير الدولة وتعيد تصميم هيكلها وفلسفتها السياسية وتوزيع السلطة بها».
وأعربت الحكومة عن عزمها تمرير مشروع مدينة الحرير، وأرسلت الشهر الماضي مشروع قانون مدينة الحرير إلى البرلمان، الذي يعقد جلسته الأخيرة قبل انتخابات العام المقبل.
مركز تجاري
على الرغم من وتيرة التحول البطيئة، حقَّقت البلاد بعض النجاحات. إذ ستُدرِج شركة MSCI Inc الكويت ضمن مؤشرها الرئيسي لتتبّع الأسهم في الأسواق الناشئة، في يونيو/حزيران 2020.
وفي مقابلة، قال وزير التجارة والصناعة الكويتي خالد الروضان: «نعتقد أن لدينا القدرة والمعرفة وجميع الإمكانات لكي نصبح مركزاً تجارياً».
وعند سؤال الكويتيين عن مدينة الحرير، يقول الكثيرون إنهم سيسعدون بإدخال تحسينات على العاصمة الحالية، بداية بالطرق. ووعدت الحكومة بإصلاح الأضرار بنهاية عام 2019، رغم أنَّ عواصف العام الماضي هبَّت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال حمد الجاسر، الناشط البالغ من العمر 58 عاماً، الذي يبلغ عدد متابعيه على «تويتر» 40 ألف متابع: «التمتع بديمقراطية منقوصة أسوأ من غيابها بالكامل؛ لأنها توحي خطأً بوجود شرعية، بينما هي في حقيقتها مجرد ستار للفساد. فحين يصبح بإمكانهم إنشاء طرق لا تذوب بفعل الأمطار، يمكننا حينها أن نتحدث عن رؤى اقتصادية».