قررت وزارة المالية في مصر إلغاء العمل بنظام الدولار الجمركي، الذي كانت الحكومة قد وضعته بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصري، بهدف تثبيت سعر الدولار المخصص لاستيراد السلع من الخارج.
ويرى البعض أن تأثير ذلك سيكون محدودا نظرا لتقارب الفارق بين سعر الدولار في البنك المركزي المصري ومكاتب الصرافة، وسعر الدولار الجمركي.
بينما يرى آخرون أن هناك مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى زيادة في أسعار السلع في ظل “عدم انضباط السوق”، واحتمال استغلال بعض التجار لهذه الخطوة لرفع الأسعار، في ظل ظروف صعبة يعاني منها الاقتصاد المصري.
ما هو الدولار الجمركي؟
الدولار الجمركي هو آليه وضعتها وزارة المالية المصرية بهدف تثبيت سعر الدولار بالجنيه المصري عند حساب الجمارك المستحقة على السلع المستوردة، وذلك بهدف الحد من آثار التضخم بعد تحرير سعر صرف الجنيه في أواخر 2016.
وقد بدأ العمل بهذا النظام من أول أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، إذ حددت وزارة المالية سعر الدولار الجمركي بـ 16 جنيها مصريا بشكل ثابت، في الوقت الذي شهد فيه سعر الدولار في البنوك تذبذبا حادا، فوصل في بعض الأوقات إلي نحو 19 جنيها، في أعقاب تحرير سعر صرف الجنيه.
ويتحرك سعر الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي هذه الأيام في حدود 16,50 جنيها للدولار، في البنك المركزي المصري.
وقالت الحكومة إن تحرير سعر صرف الجنيه المصري يأتي في إطار برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي بدأ في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
وقد قوبل قرار الحكومة بتطبيق نظام الدولار الجمركي في البداية بانتقادات ممن يرون أن هناك إشكالية في وجود سعرين للدولار في التعاملات الحكومية الرسمية.
“عودة للأصل”
ويقول الدكتور هشام إبراهيم، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة: “إن تذبذب الدولار أمام الجنيه في تلك الفترة وما صاحبه من ارتفاع في التضخم كان من الأمور التي دفعت إلى العمل بنظام الدولار الجمركي كإجراء استثنائي، وهو ما انتهى الآن لتعود الأمور إلى نصابها الحقيقي بدفع الجمارك على السلع المستوردة بسعر الدولار اليومي في البنك المركزي”.
وحسب إحصاءات البنك المركزي المصري، فإن واردات البلاد في العام المالي 2017/2018 بلغت 63 مليار دولار، مقابل 59 مليارا في العام السابق له.
وقالت وزارة المالية في بيان لها عقب الإعلان عن إلغاء العمل بنظام الدولار الجمركي، إنه يمثل “عودة للأصل العام المقرر طبقًا لقانون الجمارك، نتيجة لزوال الظروف الاستثنائية التي جعلت الحكومة تتعامل بالدولار الجمركي”.
“انضباط السوق”
ويري خبراء أن معدلات التضخم التي تراجعت إلي 8.7 في المئة في يوليو/تموز هذا العام، من الممكن أن تسير في اتجاه مستقر، شريطة استقرار سعر العملة الأمريكية في الأسواق، مع إمكانية زيادة الأسعار عند حدوث أي اضطراب واضح في سوق العملة الأجنبية.
وتشير تقارير محلية إلى أن الجنية المصري يواصل تعافيه أمام الدولار بشكل متدرج منذ بداية العام، ليصل سعره إلي حدود 16.50 جنيها مصريا هذا الأسبوع، في وقت يتراجع فيه الدولار أيضا أمام العديد من العملات.
ويرى الدكتور عمرو عادلي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن إلغاء الدولار الجمركي لن يكون له تأثير مباشر على الأسعار في المدى القصير، خاصة وأن الفرق بين سعر الدولار في الأسواق، وسعر الدولار الجمركي ليس كبيرا.
ويضيف: ” كلمة السر ستكون في استقرار سعر صرف العملة الأمريكية مقابل الجنيه في الفترة القادمة، مع الأخذ في الاعتبار أن أي تذبذب حاد سيكون له تأثير واضح على الأسعار”.
وقال عادلي إن وزارة المالية “لم تقم بهذه الخطوة إلا بعد الاستقرار النسبي الذي شهده سعر الدولار بالأسواق المحلية في الفترة الماضية، فلم تعد مصر تشهد ارتفاعات حادة في أسعار هذه العملة الأجنبية مؤخرا، وهو ما يمثل العامل الحاسم في اتخاذ مثل هذا القرار”.
هل تزيد الأسعار؟
ويري البعض أن السوق المصرية ليست منضبطة بالشكل الكافي، وبالتالي فإن احتمال استغلال بعض التجار لقرار إلغاء الدولار الجمركي بهدف رفع الأسعار أمر وارد.
ويقول الكاتب المتخصص في الشأن الاقتصادي في مصر مصباح قطب: “أتوقع على المدى القصير قدرا من ارتفاع أسعار بعض الواردات والمواد الغذائية بشكل خاص، لكن ربما يحد من ذلك الارتفاع في الأسعار أن الطلب على السلع أصبح له محددات خاصة في مصر، في القلب منها تراجع الدخول وارتفاع معدلات الادخار، ولهذين الأمرين دور كبير في تهدئة التضخم”.
ويضيف قطب: “هناك تشوهات في آليات السوق في مصر، وهناك ميراث من التفلت من أية قواعد في السوق الداخلي، وربما يرفع بعض التجار الأسعار استغلالا لذلك الموقف، لكن تأثير ذلك لن يكون كبيرا”.
ويقول الخبير المصرفي هشام إبراهيم إن السوق في مصر يحتاج إلي “مزيد من المنافسة ومزيد من الحرية لضبط حركة الأسعار بآليات السوق الحر”.
ويرى إبراهيم أن هذا كله لا يمنع وزارة المالية من أن تقرر إلغاء الدولار الجمركي اعتمادا على ما لديها من معطيات، كتعافي الجنيه أمام الدولار، وانخفاض التضخم”.
وتبقى المعادلة الأساسية لاحتمال ارتفاع الأسعار في المستقبل القريب والمتوسط مرتبطة بسعر صرف الدولار الأمريكي، ومدى توفره في الأسواق المحلية في مصر.