لم يكن تخلي بنيامين نتنياهو عن جهوده لتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة هزيمة كبيرة له كسياسي، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى أنه قد يخسر حريته الشخصية، في ظلِّ الاتهامات الجنائية التي تطارده، ومع ذلك لم يُحسم مصير نتنياهو بعد، فمازال أمام الرجل فرصة للعودة للحكومة، كما أن أمامه احتمال السجن.
وأمس أبلغ نتنياهو الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين بفشله في تشكيل ائتلاف حكومي، ليمنح الرئيس الإسرائيلي الفرصة لرئيس حزب أزرق أبيض غانتس،
وكان الرئيس الإسرائيلي قد أعطى نتنياهو الفرصة لتشكيل الحكومة قبل غانتس، لأن حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو هو الحزب الأكبر، وفقاً للانتخابات، ورغم أن الكتلة المؤيدة لبيني غانتس كانت أكبر.
وقال نتنياهو «في الأسابيع الماضية بذلت كل جهد ممكن لإحضار بيني جانتز إلى طاولة المفاوضات، وكل جهد ممكن لتشكيل حكومة وطنية واسعة، وكل جهد لتجنّب انتخابات أخرى».
وقال ريفلين إنه يعتزم تكليف غانتز بمهمة تشكيل حكومة جديدة.
والآن يحتاج نتنياهو إلى أن يشحذ كل مهاراته وألاعيبه السياسية التي اشتهر بها ليحافظ على مكانته في السياسة الإسرائيلية، إذ يبدو أن الرجل قد يدخل في مرحلة قد يفوز بها بكل شيء أو يخسر كل شيء.
في هذا التقرير نرصد مصير نتنياهو بعد أن فقد فرصته في تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
الاحتمال الذي يفتح الباب لكل المصائب.. هل يشكل غانتس الحكومة؟
لا يعني تكليف غانتس بتشكيل الحكومة أنه قد أصبح رئيساً للوزراء، إذ لا يمتلك كتلة كافية لتشكيل الحكومة حتى الآن.
ويقسم الكنيست حالياً بين كتلتين كبيرتين، إحداهما تؤيد نتنياهو، والأخرى غانتس، وبينهما كتلة متوسطة، ولكن مرجحة لحزب إسرائيل بيتنا، الذي يتزعمه السياسي الإسرائيلي المتطرف أفيغدور ليبرمان، وهو الذي رفض مشاركة نتنياهو في الحكومة بسبب مواقفه الرافضة من الأحزاب الدينية.
يمتلك إسرائيل بيتنا، من حزب أفيغدور ليبرمان، توازن القوى بين الكتل التي يقودها نتنياهو وغانتس، بثمانية مقاعد، ودعا إلى تشكيل حكومة وحدة علمانية تضم الليكود والأزرق والأبيض وحزبه. لكن نتنياهو رفض التخلي عن شركائه المتطرفين الأرثوذكس شاس واليهودية التوراة المتحدة. وقد رفض غانتز حتى الآن إقامة شراكة مع الليكود، ما دام نتنياهو يواجه أمراً محتملاً.
وكتلة الليكود والأحزاب اليمينية والأرثوذكسية المتطرفة تتكون من 55 نائباً، بعد الانتخابات غير الحاسمة التي أجريت في 17 سبتمبر/أيلول (الليكود: 32، شاس: 9، يونايتد التوراة اليهودية: 7، ويمينة 7).
بينما يترأس غانتس 54 كتلة من أعضاء الكنيست من الوسط واليسار والحزب العربي (الأزرق والأبيض: 33، حزب العمال: 6، المعسكر الديمقراطي 5، و 10 أعضاء من القائمة المشتركة العربية). لكن أعضاء الكنيست العرب العشرة في تلك المجموعة لن ينضموا إلى تحالف بقيادة غانتس. (ثلاثة أعضاء آخرين من القائمة المشتركة لم يدعموا أياً من المرشحين).
وقال حزب جانتز الأزرق والأبيض في بيان إنه «مصمم على تشكيل حكومة وحدة ليبرالية«.
فرصة غانتز، الذي قد توفر له كتلته الواسعة من أحزاب يسار الوسط الدعم الذي يحتاج إليه، شريطة أن يتمكن من الاعتماد على دعم ليبرمان.
أمام غانتس خياران الأول هو انضمام ليبرمان لحكومة بقيادته.
ولكن ليبرمان قال لـ «مؤيديه إنه لا يوجد سوى خيار واحد للحكومة: «حكومة وطنية واسعة ليبرالية تتألف من يسرائيل بيتينو والليكود والأزرق والأبيض».
كما أن ليبرلمان يرفض الانضمام لحكومة تؤيدها الأحزاب العربية.
أما طرحه بتشكيل حكومة واسعة تضم الليكود وحزب أزرق أبيض، فيرفضه غانتس.
فقد اقترح الرئيس الإسرائيلي أن يتبادل نتنياهو وغانتس رئاسة الحكومة الائتلافية الموسّعة.
ولكن غانتز يقول إنه لن يخدم في حكومة رئيس وزرائها يواجه تهماً جنائية.
خيانة المقربين.. هل يعزل الليكود زعيمه الذي قاده للنصر لسنوات؟
مع إصرار ليبرمان على حكومة وحدة وطنية تضم الليكود وحزب أزرق أبيض وإصرار غانتس على عدم مشاركة نتنياهو الذي يواجه تهماً جنائية.
بدا يظهر احتمال جديد هل يمكن أن يتخلى الليكود عن زعيمه نتنياهو ليشارك الحزب في الحكومة بزعيم جديد.
حافظ نتنياهو على قبضة دامت عشر سنوات على الليكود، لكن معركته القضائية قد تخفف من دعمه بين أعضاء الحزب المتوترين.
ويقول أموت أصا إيل، المعلق السياسي في معهد شالوم هارتمان «لصحيفة واشنطن بوست، عندما تجمع بين وضعه القانوني وفشله في الانتخابات فقد تحول نتنياهو من كونه رصيداً رئيسياً إلى مسؤولية كبيرة. «سوف يفعلون ذلك بهدوء، لكنهم سيطعنونه».
ولكن صحيفة The Times of Israel تقول إن نتنياهو دفع باتجاه تغييرات في لوائح الليكود قبل انتخابات أبريل/نيسان الماضي، مما يجعل من الصعب على المؤسسات المركزية للحزب عزله كزعيم دون إجراء انتخابات تمهيدية كاملة لقائمة الكنيست بأكملها، وهذا يعني أن أعضاء الكنيست الحاليين الذين يسعون للإطاحة به يخاطرون بفقدان وظائفهم.
يصعب على الليكود اليوم تخليص نفسه من نتنياهو في مثل هذا السيناريو عما كان عليه قبل عام، حسب الصحيفة.
انتخابات جديدة أفضل خياراته السيئة
أمام غانتز الآن 28 يوماً لمحاولة القيام بما لم يستطع نتنياهو فعله.
إذا فشل سيكون أمام أي عضو في الكنيست 21 يوماً للحصول على دعم أغلبية الكنيست لتشكيل الحكومة. إذا لم ينجح أي شخص فستبدأ الانتخابات تلقائياً.
في حال فشل غانتس في جمع الائتلاف اللازم وتخطيه المهلة القانونية لتشكيل الحكومة، وفشله في التحالف مع ليبرلمان أو الليكود، فقد يعني ذلك أن إسرائيل قد تذهب لانتخابات تشريعية جديدة، والتي ستكون الثالثة في غضون عام، بعد انتخابات أبريل/نيسان، وسبتمبر/أيلول 2019.
يبدو ذلك خياراً سيئاً للبلاد، ولكن ليس سيئاً للغاية لنتنياهو، إذ يعني هذا تجدد الأمل له بكنيست جديد قد يمكنه من تشكيل الحكومة.
ولكن احتمال أن تزداد فرص نتنياهو في الانتخابات يبدو ضئيلاً، في ظل تأثير شبهات الفساد التي تحوم حوله، وتراجع التأييد له، الأمر الذي يقلل فرصه، ولكنه لا ينهيها.
ولكن مازال هناك الخيار الأسوأ لنتنياهو.
هل يدخل نتنياهو السجن؟
إذا فشل نتنياهو في نيل رئاسة الحكومة، سواء بسبب تحالف غانتس مع ليبرمان دون الليكود أو عبر طرده من الليكود ستزداد احتمالات مقاضاته حين يفقد الحصانة التي يوفرها له المنصب.
وتنبع الاتهامات ضد نتنياهو من ثلاث قضايا جنائية منفصلة.
في إحداها يزعم المحققون أن نتنياهو قبل أكثر من ربع مليون دولار في المجوهرات والسيجار، وغيرها من الهدايا من المحسنين الأثرياء، الذين كان لهم عمل رسمي مع الحكومة.
وفي قضية أخرى يشتبه أن نتنياهو ارتكب تصرفاً غير قانوني، بالاتفاق مع ناشر صحيفة يديعوت أحرونوت، أرنون موزيس، لإضعاف منافس للصحفية مقابل تغطية أكثر من قبل يديعوت أحرونوت لنتنياهو.
وتتعلق القضية الثالثة بالمزاعم القائلة إن نتنياهو دفع بقرارات تنظيمية تعود بالفائدة مالياً على مساهم مسيطر في مجموعة كبرى للاتصالات، مقابل تغطية إيجابية مستمرة من موقع «والاه» الإخباري المملوك له.
لقد ادعى نتنياهو، الذي ينكر ارتكاب أي مخالفات، مراراً وتكراراً أنه ضحية عملية مطاردة من قبل وسائل الإعلام واليسار والشرطة والنيابة العامة، تهدف إلى إقصائه عن السلطة.
ماذا لو فاز بالانتخابات ووجهت لهم تهم قضائية؟
وفي حال احتفاظ نتنياهو بمنصبه كرئيس وزراء عبر انتخابات جديدة، فإن القانون لا يتيح عادة مقاضاة رئيس الحكومة، ولكن العرف يقتضي تقديمه الاستقالة، ويقول البعض إنه إذا وصلت الأمور لهذه المرحلة فقد تدخل المحكمة العليا للضغط عليه للاستقالة.
وأصرّ نتنياهو الذي مازال يعتبر رئيس وزراء في حكومة تسيير أعمال، على أنه لن يتنحّى حتى لو وُجهت إليه اتهامات، مما قد يؤدي إلى مواجهة محتملة.
ويسمح القانون لرئيس الوزراء بالبقاء في منصبه أثناء محاكمته، مما يتيح للكنيست إقالته بعد إدانته.
لكن الخبراء يقولون إن القانون لم يحدد الموقف، في حال رئيس وزراء متهم بمثل هذه المخالفات الخطيرة، وتوقع الكثيرون أن تتدخل المحاكم.
وقالت سوزي نافوت، أستاذة القانون الدستوري: «أرى أن رئيس الوزراء الذي وُجهت إليه تهم بالرشوة لا يمكن أن يشغل المنصب». «إذا لم يتنح فستتدخل المحكمة العليا».
زعيم يميني منافس له يدافع عنه في اللحظات الأخيرة
اللافت أن زعيماً يمنياً منافساً لنتنياهو أنبرى للدفاع عنه، لكن بطريقة تشير إلى اقتراب نهاية الرجل السياسية.
إذ نشر زعيم حزب اليمين الجديد نفتالي بينيت دفاعاً علنياً مفصلاً عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في ضوء قضايا الفساد ضده، متهماً النظام القضائي بمحاولة «إسقاط» حكم رئيس الوزراء لأسباب سياسية، وتخويف اليمين في المستقبل.
دفاع بينيت الطويل الذي نشر على فيسبوك كان بياناً نادراً لأن هذا السياسي مشهور بهجومه على نتنياهو، وقد قدّم نفسه كبديل له، وفي الماضي هاجمه بسبب الجرائم المزعومة التي ارتكبها.
كتب بينيت: «إذا تمكن النظام القضائي من إسقاط نتنياهو فسيكون ذلك بمثابة ضربة حاسمة للكتلة اليمينية بأكملها». «الزعيم اليميني الذي يأتي من بعده سوف يتعرض للتخويف والخوف من وسائل الإعلام والقضاء.
وأضاف «في أحلك أوقاته قررت أن أتقدم لمساعدته «نتنياهو ليس مثالياً، لكنه كان رئيس وزراء جيداً لدولة إسرائيل وأمنها، حسب تعبيره.
واتهم العناصر اليسارية في الصحافة، في الأوساط الأكاديمية، في الثقافة والنظام القانوني بأنها حولته إلى رمز الشر المطلق.
وقال إن «نتنياهو لم يأخذ أكياساً نقدية، ولم ينقل الأموال إلى حساباته المصرفية الشخصية».
وأقرّ بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي حصل على تغطية أقل عدائية قليلاً على موقع «والاه» (Walla) على الويب، والكثير من السيجار والشمبانيا، لكنه استدرك قائلاً هذا أمر خطأ، لكنه ليس شيئاً يمكن به الإطاحة برئيس وزراء.
وقال بينيت، الذي عمل مع نتنياهو أثناء توليه منصب زعيم المعارضة من عام 2006 إلى عام 2008، إنه يأمل ألا يتم توجيه التهم المعلقة ضد رئيس الوزراء.
من المتوقع أن يتوصل المدعي العام الإسرائيلي إلى قرار بشأن إدانة نتنياهو في الشهر أو الشهرين المقبلين.
هل يتم العفو عنه؟
وهناك نظرية كانت منتشرة قبل إعلان نتنياهو فشله في تشكيل الحكومة، تقول إنه مقابل الموافقة على التنحي سيقدم الرئيس لنتنياهو عفواً وقائياً، أو أن يعرض المدعي العام تخفيض التهم في صفقة يقر به نتنياهو بجرائمه.
وقالت سوزي نافوت، أستاذة القانون الدستوري لصحيفة Washington Post الأمريكية، إن مثل هذه الصفقات الكبرى ترقى إلى مستوى المعاملة الخاصة في النظام القانوني للشخصيات المهمة، مما يتيح لهم تجنب السجن، حيث لا يحاكم المتهمون الآخرون.
وقالت إن هذا ثمن باهظ لمجرد تجنيب البلاد حالة من عدم اليقين والدراما في الملاحقة الجنائية.
وأضافت «أعتقد أن الديمقراطية القوية يتم الحكم عليها بالطريقة التي تتعامل بها مع أشخاص مهمين للغاية. لقد كان لدينا رئيس في السجن، ورئيس وزراء سابق في السجن، وكبير حاخامات بالسجن. هذا شيء يجب أن تفخر به إسرائيل».
ولكن بشكل كبير أصبح مصير نتنياهو يتوقف على خصمه اللدود أفيغدور ليبرمان، الذي أصبح يوصف بأنه صانع الملوك في إسرائيل.