العالم

حقيقة وأبعاد دور الجنود المغاربيين في الحرب العالمية الأولى ؟

مع إحياء الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى، تعود مشاركة الفرق المغاربية إلى الأذهان بعد أن غابت طويلا عن المخيلة الجماعية. فماهي الحقيقة التاريخية، بأبعادها العسكرية والاجتماعية والاقتصادية، لإسهامات جنود شمال أفريقيا في “الحرب الكبرى”.

كان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند قد حيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 عند الاحتفال بالذكرى المئوية لانطلاق الحرب العالمية الأولى دور الجنود الأفارقة “الذين شاركوا في حرب كان يمكن ألا تكون حربهم”. ورغم ذلك الاعتراف الرسمي، تبقى مشاركة هؤلاء المقاتلين غير معروفة بشكل جيد.

أما الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون فأشار إلى دورهم في الحرب العالمية الثانية، ففي كلمة ألقاها في آب/أغسطس 2018 بمناسبة ذكرى تحرير بعض مناطق جنوب فرنسا في صائفة 1944، قال: “جنود، صبايحية، غومية، زواف، جاء أغلبهم من السنغال والمغرب (العربي) ليموتوا على سواحلنا من أجل تحرير بلادنا”.

خلال الحرب العالمية الأولى، دعي أكثر من 600 ألف جندي من المستعمرات للقتال على كل الجبهات، وكان نصفهم مغاربيين. وكان المؤرخ جان مارتان قد ذكر بذلك فرانس24 “فرق المستعمرات لعبت دورا داعما خلال الحرب العالمية الأولى، كان حاسما ولكنه أقل مما كان عليه في الحرب العالمية الثانية لكن لا يستهان به”. وفي المجمل شارك 173 ألف جزائري و58770 تونسي و25000 مغربي في الحرب العالمية الأولى.

عند انطلاق النزاع في 1914، كانت الخدمة العسكرية “للمحليين” حديثة الإنشاء في الجزائر إثر قانون منذ 1911. لكن توظيف الجنود المسلمين لم يقابل بالإجماع، ويوضح مارتان “أوروبيو الجزائر كانوا معارضين لتجنيد المحليين، إذ كانوا يخشون أن تزداد المطالب الحقوقية لهؤلاء عند عودتهم”. لذلك لم تكن عمليات التجنيد في الأشهر الأولى للحرب مكثفة. رغم ذلك أرسل جنود جزائريون بسرعة إلى الجبهة.

الفوج السابع للجنود الجزائريين في 1917

في سبتمبر/أيلول 1914 واجهت عدة فرق نيران العدو خلال معركة المارن. رجال لم يروا أوروبا من قبل ولم يتلقوا تكوينا عسكريا “سجلت خسائر فادحة جدا، وكان ذلك مأساويا. فسحبوهم من الجبهة لتدريبهم”.

“لم يبخلوا بشجاعتهم”

رغم نقص التجربة، سرعان ما تميز جنود شمال أفريقيا بحسهم القتالي. وتابع المؤرخ المختص في الحقبة الاستعمارية جان مارتان “تم الانتباه إلى أنه يمكنهم استخدام أسلحة تتطور شيئا فشيئا. لم يبخلوا بشجاعتهم”.

وينسب إلى الماريشال فوش قوله عن معركة المارن “شاء الحظ أن تكون الفرقة المغربية متواجدة !” ويشار إلى أن الفرقة المغربية لا تضم جنودا مغربيين بل هي مكونة من جزائريين وتونسيين وزواف وفيالق أجنبية…

لكن كان للمغربيين دور هام في هذه الحرب. ففي تاريخ الفوج الأول لجنود المستعمرات، يقدم لهم وزير الحرب ألكسندر ميلران أحر التهاني “هم منضبطون أمام النيران كما في المناورة، متحمسون في الهجوم، عنيدون في الدفاع عن مواقعهم حتى التضحية، متجاوزون التوقعات في قدرتهم على تحمل قساوة المناخ الشمالي، يعطون البرهان القاطع على قيمتهم الحربية”.

وفي دليل على هذه البطولة، تعد الفرق المغاربية من بين أكثر العسكريين الحاصلين على أوسمة شرفية. فقد أحرز الجنود الجزائريون أكثر من 20 بالمئة من أعلى التكريمات الممنوحة (أعلام تقلدها جوقة الشرف أو ميداليات عسكرية برمز جوقة الشرف) في حين لم تعد الأعداد المشاركة في القتال مع نهاية النزاع تمثل سوى 2 بالمئة من مجمل المقاتلين. كما أحرز فوجا الجنود المغربيين سبع شهادات عن الشجاعة تحت إمرة الجيش.

مساواة أكبر داخل الجيش

اعترافا لعناصر الجيش الأفريقي بخصالهم في القتال، لم يتم التعامل معهم على أساس التمييز مع باقي الجنود. فعلى خلاف الأفكار المسبقة عن أوضاعهم في تلك الحقبة، كان الضباط يكنون لهم نفس القدر من الاحترام ويوضح جان مارتان “كانوا يتجمعون فيما بينهم لكن كان ذلك لتسهيل الحياة اليومية. كان يقدم لهم طعام حلال وفي حال الوفاة يدفنون حسب الطقوس الإسلامية. كانت فرنسا تحترم هويتهم. وروى العديد منهم لاحقا أن المساواة داخل الجيش كانت ملموسة أكثر مما كانت عليه في مجتمعات الاستعمار ففي الجبهة كان الكل سواسية لا سيما أمام الموت”.

جنود جزائريون جرحى يتلقون العلاج داخل حافلات إسعاف خلال الحرب العالمية الأولى

وبالنسبة للمؤرخ، توجد فكرة مسبقة أخرى عن هؤلاء الجنود وجب تصحيحها. فيقول لا توجد أدلة تسمح بالجزم بأن فرق شمال أفريقيا كانت معرضة أكثر من غيرها للنيران “كان الكل عرضة لقصف المدافع. فمنطقة بروتاني مثلا قد دفعت الثمن أغلى من المغرب العربي. ويرى أهالي بروتاني أنه تم استغلال المشاعر الدينية وتوزيع النبيذ لإرسالهم إلى جبهة القتال”. وخسر جيش أفريقيا قرابة 45 ألف رجل، ما يمثل أكثر من 3 بالمئة من عدد القتلى الفرنسيين في الحرب العالمية الأولى.

ولم يساهم المغرب العربي في جهود الحرب فقط على جبهة القتال، بل وأيضا عبر توفير يد عاملة بالآلاف في المصانع. ويوضح جان مرتان “يعود تاريخ الهجرة المغاربية إلى الحرب العالمية الأولى، فلم يكن يتجاوز قبلها عدد المغاربة في فرنسا 15 ألف”. وأرسل شمال أفريقيا لمدة أربع سنوات 180 ألف عامل إلى فرنسا وبقي العديد منهم هناك بعد نهاية النزاع. وستتشكل أولى الأحياء المغاربية التاريخية في فرنسا في ذلك الزمن على غرار “لاغوت دور” و”بوغرنال” في باريس و”فينيسيو” في ليون.

وبحكم هذا الإسهام العسكري والاقتصادي، عرفت المجتمعات المغاربية تغييرات هامة في تك الفترة. فشعر “المحليون” في الجمهورية بأن دمهم سكب في قضية لم تكن قضيتهم واعتبروا أن من حقهم المطالبة بتعويضات. ويتابع المؤرخ “عندما عادوا إلى بلدانهم، أرادوا أن يعاملوا وكأنهم مواطنون فرنسيون. ولم يكن ذلك بعد من باب القومية لكن مطالبة بالمساواة”. إلا أن فرنسا، مدعومة بإمبراطوريتها، تجاهلت طويلا مساهمة هؤلاء الرجال المتحدرين من أفريقيا. فيقول المؤرخ “الكتب لا تذكر جنود المستعمرات. كانوا لا يرون ولا يفكر فيهم أحد. كان للفرنسيين رؤية ضيقة منحصرة في التراب الأوروبي. وربما أيضا أن فرنسا بدافع الشوفينية أرادت أن تجد بداخلها وحدها موارد النصر”.

How useful was this post?

Click on a star to rate it!

Average rating 0 / 5. Vote count: 0

No votes so far! Be the first to rate this post.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى