يبدو أن توماس فريدمان ينقلب على بن سلمان هذا ملخص مقال كتبه ، ويبدو انه انقلب على قناعاته التي حاول ترويجها عن ولي العهد محمد بن سلمان خاصة حين أجرى معه الحوار الشهير بصحيفة نيويورك تايمز في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
ففي مقالة له نُشرت بـ»نيويورك تايمز» في الرابع من سبتمبر/أيلول 2018، قال توماس فريدمان تحت عنوان «الشرق أوسطيون المجانين الفقراء»، إنه ليس لديه شك في أنَّ ولي العهد، محمد بن سلمان، كان الوحيد في أسرته الذي كان من الممكن أن يبدأ الإصلاحات الاجتماعية والدينية والاقتصادية الحيوية التي تجرَّأ وبدأها جميعاً مرةً واحدة، وأنَّه أيضاً الوحيد في أسرته الذي كان سيضطلع بالمبادرات المتنمرة في السياسة الخارجية، وألعاب السلطة الداخلية، وعمليات الشراء الشخصية المفرطة التي قام بها جميعاً في وقتٍ واحد.
لكن توماس فريدمان يرى أن الديمقراطية ليست على أجندة السعودية
وقال الكاتب الأميركي في مقالته: ليست الديمقراطية على أجندة السعودية، وإنَّماالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والديني. فحكومة محمد بن سلمان عيَّنت للمرة الأولى نساء في الكثير من الوظائف القيادية بالبلديات.
وبالنظر إلى الدور المؤذي بشكلٍ كبير الذي أدَّته السعودية في العالم العربي المسلم عندما بدأت بعد عام 1979 نشر نسختها المتزمتة من الإسلام، التي ساعدت على بذر أحداث 11 سبتمبر/أيلول، فإنَّ فكرة أن المملكة لديها اليوم قائد ربما يبدأ في تحويل الإسلام السُّني إلى طريقٍ أكثر انفتاحاً واعتدالاً، طريق من شأنه عزل الإسلامويين الراديكاليين وتعزيز المعتدلين في كل مكان- تمثل فائدةً ضخمة ينبغي للولايات المتحدة تعزيزها.
ومع ذلك، فقد بدأ محمد بن سلمان مؤخراً اتخاذ سلسلة من الخطوات غير المدروسة التي تؤذيه وتؤذي السعودية وتؤذينا.
فلمحمد بن سلمان عدد قليل من المستشارين المتطرفين للغاية الذين يواظبون على إخباره باتباع «النموذج الصيني»، فالصين أثبتت نفسها في بحر الصين الجنوبي. واعترض العالم، فردَّت الصين قائلةً: «اغربوا عن وجهنا»، وفي النهاية تراجع العالم.
لذا، فعندما انتقدت كندا، بشكلٍ طفيف، انتهاك السعودية حقوق الإنسان، تجاوز محمد بن سلمان في رده وقطع العلاقات تقريباً. كان ذلك مبالغةً سخيفة في رد الفعل. فالسعودية ليست الصين. السعودية بحاجة إلى أصدقاء، وهي تحتاج إلى أن تكون أشبه بدبي منها بشانغهاي، أي المزيد من القوة الناعمة وتقليل التنمر.
والمثير للاهتمام أن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي وأحد أحكم رجال المنطقة، كتب الشهر الماضي (أغسطس/آب 2018) سلسلةً من التغريدات التي أثارت انتباه الكثيرين في السعودية.
حيث قالت إحدى هذه التغريدات إنَّ العالم العربي به «أزمة إدارة لا أزمة موارد. انظروا إلى الصين واليابان.. أين هم الآن، حتى دون موارد طبيعية. ثمة بلدان تمتلك النفط والغاز والمياه والموارد البشرية، لكنَّها تفتقر إلى التنمية، ولا تستطيع حتى توفير الخدمات الأساسية مثل الطرق والكهرباء لشعبها».
وأياً كانت الدعاية الإيجابية التي حازها محمد بن سلمان لتركه النساء يقدن، فقد قُوِّضَت باعتقاله ناشطاتٍ سعوديات يناصرن حق النساء في القيادة بتهم قرابتهن لبعض المجموعات المعارضة للسعودية في لندن. حقاً، هل السعودية مهدَّدة من ناشطات القيادة؟ أما الحرب السعودية-الإماراتية في اليمن، فقد أفسدها عدم كفاءة القوات الجوية السعودية، إلى درجة أنَّها الآن متهمة بارتكاب جرائم حرب محتملة.
ومع ذلك فالاستقرار المستقبلي لمنطقة الخليج العربي يعتمد على نجاح عملية الإصلاح في السعودية
فالأمر مهم إلى هذه الدرجة. لكنَّها لا يمكن أن تنجح دون استثماراتٍ كبيرة من الأجانب والسعوديين لخلق قطاع خاص أكثر حيوية وتنوعاً، ويستطيع توفير وظائف ملائمة لجميع الشباب السعوديين المتخرجين في الجامعات بالداخل والخارج.
ولا يزال محمد بن سلمان ذا شعبية بين الكثير منهم، لكن لو لم يستطيعوا الحصول على وظائف، فإنَّ المتطرفين الدينيين في السعودية سوف يجدون الكثير من بينهم لتجنيدهم.
ومع وجود الكثير من الأشياء التي فعلها محمد بن سلمان في الشهور الأخيرة، عملاً بنصيحة الحرس الأمني القديم المحيط به، فقد أعطى الأولوية للمسائل السياسية والأمنية على حساب الحاجة لجذب المستثمرين والمواهب والوزراء المستعدين بالمخاطرة لإخباره بالحقيقة.
يمكن أن يكون كل فعل قابل للتبرير بشكلٍ مستقل، لكن لو وضعت هذه الأفعال معاً فسوف تؤدي بنا إلى اعتقاد أنَّ بن سلمان قد ضل الطريق، فهو الآن يخلق المزيد من عدم اليقين أكثر من الاحترام.
لكن هذه القناعة لم تكن موجودة في حواره مع ولي العهد محمد بن سلمان منذ عام
حيث قال في الحوار إن الرهانات عالية بالنسبة إلى محمد بن سلمان في حملة مكافحة الفساد هذه. إذا شعر الرأي العام بأنه يعمل فعلاً على تطهير الفساد الذي كان يتسبب في تقويض ركائز المنظومة، وأنه يفعل ذلك بطريقة شفافة، وبأنه يعلن بوضوح للسعوديين والأجانب الذين يفكّرون في الاستثمار بالبلاد مستقبلاً، أن سيادة القانون سوف تسود، فسوف يضخّ ذلك حقاً قدراً كبيراً من الثقة الجديدة بالمنظومة.
لكن، إذا ظهر في نهاية المطاف أن العملية عشوائية واستقوائية وغير شفافة، وموجَّهة أكثر نحو تعزيز النفوذ لأجل النفوذ فقط، ولا تخضع لأي ضوابط تفرضها سيادة القانون، فسوف تبثّ مشاعر الخوف التي من شأنها أن تصيب المستثمرين السعوديين والأجانب بالإحباط وفقدان الثقة، وذلك بطرق لا تستطيع البلاد تحمّلها.
حيث قال إن لديه قناعة بأن بن سلمان يكافح الفساد بجدية
واستدرك في تعليقه على حواره مع بن سلمان: «لكنني على يقين من أمر واحد: لقد أعرب جميع السعوديين الذين تحدثت معهم هنا على امتداد 3 أيام، عن دعمهم الشديد لحملة مكافحة الفساد. من الواضح أن الأكثرية الصامتة في السعودية ضاقت ذرعاً بالظلم الناجم عن قيام عدد كبير من الأمراء وأصحاب الثروات بنهب مقدّرات البلاد.
وفي حين كان الأجانب، مثلي، يستفسرون عن الإطار القانوني لهذه العملية، كان لسان حال السعوديين الذين تحدثت معهم: «اقلبوهم جميعهم رأساً على عقب، وقوموا بهزّهم لإخراج الأموال من جيوبهم، ولا تتوقفوا عن هزّهم حتى إخراج جميع المبالغ!»