مومياء مغنية شهيرة من مصر الفرعونية، قاومت إرهاب الزمان طوال أكثر من 27 قرناً داخل تابوتها، ذهبت في ثوانٍ معدودات طعما لنار عظيمة شبت فجأة صباح الأحد الماضي والتهمت 20 مليون قطعة أثرية وفنية كانت في متحف مصنف بين الأغنى في العالم، هو “المتحف الوطني” للبرازيل في مدينة ريو دي جنيرو، والذي نرى واحداً من الفيديوهات التي أنتجها عن المومياء التي أهداها الخديوي إسماعيل في 1877 لإمبراطور البرازيل Don Pedro ll حين زيارته الثانية لمصر ذلك العام، وبقيت في تابوتها من دون فتحه طوال 140 سنة، حتى احترقت وتفحمت.
كانت المعروفة لعلماء المصريات باسم Sha- Amun- en- Su مغنية بمعبد الإله “أمون” في ما سمّاه المصريون القدماء “أبيت رست” بلغتهم زمن الأسرة الثانية والعشرين، أو “المكان الأكثر هيبة ووقارا” وهو ما أصبح فيما بعد منطقة “الكرنك” الأثرية قرب مدينة الأقصر بالجنوب المصري، حيث عاشت “شو أمون إن سو” في زمن معدله العام 750 قبل الميلاد، وتوفيت بعمر 50 تقريبا، وفقا لما قرأت “العربية.نت” بسيرتها الواردة أمس واليوم الثلاثاء في مواقع إعلامية برازيلية، اعتبرت احتراق تابوتها المحتوي على جثتها “الموميائية” أكبر خسارة سببتها النار التي دمرت المتحف الذي تلقى التعازي من قيّمين على عشرات مثله بالعالم، وأحدها من الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر.
أكبر كارثة متحفية بالقرن للآن
الإمبراطور “دون بيدرو الثاني” كان معجبا بحضارة مصر القديمة ومطلعا على تفاصيلها، وزار مصر مرتين، وفي الثانية قدم كتابا عن البرازيل هدية للخديوي إسماعيل “العالم بولعه بالآثار” فبادله الهدية بأثمن منها: قدم له تابوت المغنية المصنوع من خشب ألوانه زاهية وعليه رسم لوجهها، وأخبره بأن اسمها يعني “حقول أمون الخضراء” كما أخبره بما كان الإمبراطور يعرفه أيضا، وهو أن فتحه سيضر بالمومياء داخله، فاحتفظ الإمبراطور به في مكتبه بقصر São Cristóvão الخاص بالعائلة البرتغالية الإمبراطورية في ريو دي جنيرو، مغلقا دائما، وهو قصر أصبح بعد الاستقلال في 1889 وإعلان الجمهورية، مقرا لمتحف دشنته البرازيل في 1818 وأودعت فيه معظم ذخائرها وكنوزها الأثرية والفنية، وكلها ضاعت بحريق شرس لا أحد يعرف أسبابه للآن، وما زالت الوكالات تذكر أنه سبب أكبر كارثة متحفية بالقرن للآن.
أما عن تابوت المغنية، فلا أحد خاطر وفتحه، خشية ما حذر منه العلماء من إمكانية تلف المومياء داخله، إلا أن فريقا برئاسة عالم آثار برازيلي اسمه Antonio Brancaglion Junior المسؤول عن الآثار المصرية بالمتحف الذي احتفل قبل شهرين بمرور 200 سنة على تأسيسه، قام بتصوير متكرر بالأشعة السينية لداخل النعش، وكشف أن المحنطين “تعاملوا مع حلق المغنية وحنجرتها بشيء من التقديس”، وفقا لما قرأته “العربية.نت” في موقع Mummipedia Wiki عن المومياء التي لم ينتزعوا منها الحنجرة “بوصفها مصدر التراتيل المقدسة في المعبد، ولاعتقادهم بأن المغنية ستحتاج إليها في حياتها الثانية بعد الموت”، لذلك تمت تغطيتها بعناية فائقة، على حد ما أوضحه التصوير الثلاثي الأبعاد.
واتصلت الخارجية المصرية بالبرازيلية
وليست مومياء المغنية هي وحدها المأسوف برازيليا ودوليا على احتراقها، لأن فيه قسما خاصا وغنيا جدا بالآثار المصرية، إلى درجة حمل وزارة الخارجية المصرية للاتصال بنظيرتها البرازيلية “لإفادتها بتقرير عاجل ومفصل عن حالة الآثار المصرية بالمتحف”، وفقا للوارد بوسائل إعلام مصرية، نقلت بدورها أن الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أعرب سريعا عن أسفه الشديد لما حدث، ووصف ما تعرض له المتحف بخسارة فادحة للبشرية والتراث الإنساني والتاريخي، مؤكدا تضامن وزارته التام مع المتحف الذي رثاه الرئيس البرازيلي ميشال تامر بتصريح وصف فيه احتراقه الظاهر بالفيديو المرفق، بأنه “يوم مأساوي للبرازيل، خسرنا فيه مائتي عام من العمل والبحث والمعرفة”، طبقا لما نقلت عنه الوكالات.
بين ما كان مصريا في “المتحف الوطني” بالريو، وذكره بسام الشماع، الباحث المصري في علم المصريات، “حوالي 700 ألف قطعة مصرية أثرية” وفقا لما قال في برنامج “ساعة من مصر” على فضائية “الغد” أمس، منها مومياوات بشرية وغيرها، كما تماثيل لكهنة مصريين قدماء، مع مومياوات للقطط ونوادر من القطع الأثرية التي لا توجد بالعالم، إضافة إلى لوحات جنائزية.