التوقف الأخير في المحادثات مع إثيوبيا حول تشييدها سداً ضخماً على منبع نهر النيل يسلب من مصر خياراتها، في ظل سعيها لحماية مصدرها الرئيسي من المياه العذبة لعدد سكانها الضخم والمستمر في التزايد.
وبداية الشهر الجاري، تعثرت المفاوضات بين البلدين حول سد النهضة الإثيوبي، الذي تُقدَّر تكلفته بـ5 مليارات دولار، واكتمل بناؤه بنسبة 60%، ويُتوقَّع أن يوفر الكهرباء لـ 100 مليون شخص في أمَس الحاجة إليها في إثيوبيا.
لكن مصر، التي يبلغ عدد سكانها نفس القوام تقريباً، تخشى من أنَّ عملية ملء الخزان خلف السد يمكن أن تؤثر على حصتها من النهر، وبالتالي سيسفر عن عواقب وخيمة. ووصفت وسائل الإعلام الموالية للحكومة هذا الأمر بأنه تهديد للأمن القومي قد يستدعي القيام بعمل عسكري.
«مسألة حياة ووجود»
وفي كلمة أمام أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إنه لن يسمح لإثيوبيا «أبداً بفرض الأمر الواقع بملء السد من دون موافقتنا».
وقال: «مع إقرارنا بحق إثيوبيا في التنمية، فإنَّ مياه النيل بالنسبة لمصر، مسألة حياة، وقضية وجود».
وتخوض مصر منذ سنوات مفاوضات مع إثيوبيا والسودان، دولتَي منبع، اللتين تشكوان منذ وقتٍ طويل من حصة مصر الضخمة من النيل، المنصوص عليها في معاهدات تعود لعهد الاستعمار البريطاني. وانتهت هذه المفاوضات، في وقت مبكر من الشهر الجاري، إلى توقف مرير، وهي المرة الثالثة التي تتعثر فيها منذ عام 2014.
«كل الخيارات متاحة»
وقال مسؤول مصري، لوكالة Associated Press الأمريكية: «سئمنا التسويف الإثيوبي، ولن نمضي حياتنا بأكملها في مفاوضات غير مجدية. وكل الخيارات متاحة، لكننا نفضل الحوار والوسائل السياسية».
وتواصلت مصر مع الولايات المتحدة وروسيا والصين وأوروبا، على ما يبدو في محاولة للتوصل لاتفاق أفضل عبر وساطة دولية. وكان البيت الأبيض قد أعلن في وقت سابق من هذا الشهر أنه يدعم المحادثات للتوصل إلى اتفاقٍ مستدام مع «احترام كل دولة حصة الأخرى من مياه النيل».
من جانبه، قال محمد المُلا، مسؤول في وزارة الخارجية المصرية، إنَّ القاهرة ستحيل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي إذا رفضت إثيوبيا الوساطة الدولية.
وأغضب هذا إثيوبيا التي ترغب في حل المسألة عبر محادثات ثلاثية مع مصر والسودان. وقال مسؤول إثيوبي لشبكة ABC News الأمريكية إنَّ الحلول التي طرحتها القاهرة إلى الآن «أُعِدت عن قصد لتكون غير مقبولة لإثيوبيا».
وأضاف المسؤول: «الآن يقولون إنَّ إثيوبيا رفضت العرض وتدعو الى تدخل طرف ثالث». وتحدث المسؤولان الإثيوبي والمصري شريطة عدم الكشف عن هويتهما لأنه لم يُصرَّح لهما بالحديث عن المفاوضات مع وسائل الإعلام.
تدفق النيل الأزرق سيتراجع
ويتمثل الخلاف الرئيسي بين البلدين في ملء خزان السد البالغة سعته 74 مليار متر مكعب؛ إذ تريد إثيوبيا ملأه في أقرب وقت ممكن حتى تتمكن من توليد أكثر من 6400 ميغاوات من الكهرباء، وهو ما يمثل زيادة هائلة عن سعة الإنتاج الحالي البالغة 4000 ميغاوات. وقالت إثيوبيا في وقت سابق من هذا العام إنَّ السد سيبدأ في توليد الطاقة بحلول نهاية عام 2020 وسيعمل بكامل طاقته بحلول عام 2022.
ويحتمل أن تسفر هذه الخطوة عن تراجع حاد في تدفق النيل الأزرق، الرافد الأساسي لنهر النيل، الذي تغذيه الأمطار الموسمية السنوية التي تتساقط على الهضبة الإثيوبية. وإذا حدث الملء خلال واحدة من فترات الجفاف في المنطقة، فسيكون تأثيره أشد بكثير على مصب النيل.
وقال مسؤول بوزارة الري المصرية، وهو عضو في فريق التفاوض التابع لها، إنَّ مصر اقترحت ملء السد خلال فترة لا تقل عن سبع سنوات، وأن تضبط إثيوبيا سرعة الملء وفقاً لهطول الأمطار. ولم يكن هذا المسؤول أيضاً مصرحاً له بالحديث عن المفاوضات علناً؛ لذا تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
للمواطن المصري أقل نصيب من الماء في العالم
ويمد النيل مصر بـ90% من احتياجاتها من المياه العذبة. ويعد نصيب الفرد من المياه في مصر واحداً من أقل الحصص في العالم، بحصة نحو 570 متراً مكعباً للفرد في السنة، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 1000 متر مكعب سنوياً. ومع ذلك، يبلغ متوسط نصيب الفرد الإثيوبي من المياه 125 متراً مكعباً سنوياً.
وترغب مصر في ضمان تدفق مياه النيل الأزرق إليها بحد أدنى سنوي يبلغ 40 مليار متر مكعب. وقال مسؤول الري إنَّ أي مقدار أقل من هذا الحد قد يؤثر على سد أسوان العالي في مصر، ويُسفِر عن عواقب اقتصادية وخيمة.
وأضاف المسؤول: «يمكن أن يُفقِد ذلك ملايين المزارعين أعمالهم. ويمكن حتى أن نخسر أكثر من مليون وظيفة و1.8 مليار دولار سنوياً، وكذلك كهرباء بقيمة 300 مليون دولار».
وقال المسؤول إنَّ إثيوبيا وافقت على ضمان وصول 31 مليار متر مكعب فقط لمصر.
هل يسفر لقاء السيسي مع آبي أحمد عن شيء؟
ومن المقرر أن يلتقي الرئيس السيسي مع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، الفائز بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، الأربعاء 23 أكتوبر/تشرين الأول، في المدينة الروسية سوتشي، على هامش قمة روسيا-إفريقيا. وربما يتمكنا من إحياء المباحثات مرة أخرى، لكن المخاطر ترتفع مع قرب اكتمال السد.
وحذَّرت مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة بحثية مقرها بروكسل، في وقت مبكر من العام الجاري من «ارتفاع مخاطر حدوث صدامات مستقبلاً إذا فشل الطرفان في الوصول لإطار عمل طويل المدى لإدارة حوض النيل بالكامل».
وفي الأسابيع الأخيرة، تصاعدت دعوات من بعض المُعلّقين في وسائل الإعلام الموالية للحكومة المصرية باللجوء لاستخدام القوة. إذ قال عبدالله السناوي، وهو كاتب أعمدة بارز في صحيفة الشروق اليومية، إنَّ البدائل الوحيدة هي تدويل النزاع أو القيام بعمل عسكري.
وكتب في مقال، الأحد 20 أكتوبر/تشرين الأول: «مصر ليست مقاطعة صغيرة. إذا فشلت جميع الخيارات الدبلوماسية والقانونية، فقد يكون التدخل العسكري إلزامياً».
من جانبه، شبَّه أنور الهواري، رئيس تحرير سابق في صحيفة المصري اليوم، الخلاف حول السد بحرب 1973 مع إسرائيل، التي شنت فيها مصر هجوماً مباغتاً على شبه جزيرة سيناء.
وكتب الهواري على موقع «فيسبوك»: «إذا حاربنا لتحرير سيناء، فمن المنطقي أن نحارب لتحرير المياه. الخطر في الحالتين واحد. والحرب في الحالين هي الرد الأخير».