تفشت جرائم اقتحام البنوك والمؤسسات المصرفية في تونس بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة وصارت بمثابة الكابوس الذي يؤرق السلطات الأمنية والقضائية ويستنفر الجهات الحكومية التي تسعى دون جدوى لوضع حد للظاهرة وتشديد المراقبة لحماية تلك المؤسسات من أن تطالها أيدي اللصوص وعصابات نهب أموال البنوك.
وخلال الأشهر الماضية شكلت أخبار جرائم السطو على البنوك إما عن طريق خلع أبوابها والاستيلاء على الأموال أو عبر مداهمات مكاتب البنوك وتهديد العاملين فيها بالسلاح لنهب خزائنها، بمثابة المادة الأسبوعية التي تتصدر الصفحات الأولى للصحف التونسية والمواقع الإخبارية حيث أصبحت عناوين مثل “اقتحام فرع بنكي وتهديد الموظفين بسلاح ونهب عشرات الملايين” أمرا متواترا في البلاد.
وكشفت السلطات الأمنية في محافظة قفصة (جنوب البلاد) عن تعرض إحدى المؤسسات البنكية في الجهة إلى عملية مداهمة وسطو على الأموال وذلك يوم الخميس 8 ديسمبر مضيفة أن شخصا ملثما داهم مكتب البنك وهدد الموظفين والأعوان ببندقية صيد قبل أن يستولي بالقوة على مبلغ مالي ثم يلوذ بالفرار.
وكشفت بعض وسائل الإعلام أن الوحدات الأمنية لا تزال مستمرة في الأبحاث والتحريات للتعرّف على الجاني و إلقاء القبض عليه.
ولم تكن تلك العملية هي الأولى من نوعها في سياق جرائم مداهمة البنوك والسطو على الأموال ولكنها تبدو امتدادا لظاهرة استفحلت بشكل غير مسبوق، ففي شهر تشرين الأول الماضي تعرض فرع بنكي بمنطقة الزهروني بأحواز العاصمة تونس، إلى عملية مداهمة انتهت بخلع بابه الأمامي ونهب جزء من محتوياته، وبحسب الأبحاث التي كشفت عنها الأجهزة الأمنية، فإنّ مجهولين عمدوا ليلا إلى رشق فرع بنكي تابع لمؤسسة مصرفية خاصة بالحجارة قبل أن يتم تهشيم بلوره الخارجي وخلع الباب الأمامي والولوج إلى الداخل وتهشيم جزء من محتويات البنك ونهب جزء آخر.
وفي العام 2021، تعرض فرع بنكي بمحافظة بن عروس، جنوب العاصمة تونس، إلى عملية سرقة لمبلغ مالي إثر اقتحامه من مجموعة من اللصوص.
وكشفت مصادر من وزارة الداخلية آنذاك أن عملية سرقة المبلغ المالي من الفرع البنكي تمت “بصفة منظمة”، مشيرا إلى أن مرتكبي عملية السرقة قاموا بقطع الأسلاك الكهربائية لكاميرات المراقبة وجهاز الإنذار، كما تمكن مرتكبو عملية السرقة من التوغل داخل مقر الفرع البنكي إثر ثقب جداره بعد أن قاموا بقطع الكهرباء ثم ثقبوا خزينة البنك واستولوا على المبلغ المالي الموجود بداخلها، حسب وزارة الداخلية التي لم تكشف عن قيمة المبالغ التي تم السطو عليها.
وكشف محمد علي الرزقي الكاتب العام لنقابة الأمن الجمهوري في تونس أن الظاهرة تعود أساسا لتفشي ظاهرة البطالة والفقر والتهميش التي يعيشها الكثير من التونسيين.
وقال الرزقي في حديثة لموقع سكاي نيوز عربية: “بات من الواضح أن ظاهرة السطو المسلح على البنوك وعمليات المداهمة تنطلق عبر التخطيط للجريمة أولا من خلال محاكاة بعض الأفلام الغربية، ثم يكون تنفيذ العمليات بمداهمات جماعية بحسب قوله.
وتابع: “الحد من الظاهرة يستوجب تشديد المراقبة على سيارات نقل أموال البنوك، مشيرا إلى أن كل الفروع المصرفية في تونس مؤمنة من قبل أجهزة الشرطة القريبة منها، لكن ذلك لم يمنع من حصول عمليات مداهمة تصدت لها الوحدات الأمنية بمجرد إخطارها بالشروع في الجريمة.
وتواصلت الظاهرة بشكل لم يعد حكرا على مناطق دون أخرى، إذ تعرض فرع بنكي بمنطقة أريانة (شمال العاصمة)، في شهر يوليو/تموز إلى عملية سطو من طرف شخص ملثم تولى الاستيلاء على مبلغ مالي بواسطة التهديد بمسدس بلاستيكي، وقالت الجهات الأمنية آنذاك إنها قامت بتعقب المتهم وإلقاء القبض عليه، فيما لم تحدد أيضا قيمة المبالغ المستولى عليها.
وبجانب عمليات الاقتحام، شهدت إحدى المؤسسات المصرفية، عملية سطو نفذها عون مكلف بحراسة سيارة لنقل الأموال إلى أحد البنوك حين استولى على مبلغ 100 ألف دينار (30 ألف دولار) قبل أن يتم إلقاء القبض عليه بعد أسبوع من الحادثة وحجز الأموال المنهوبة. وفسر الصحفي والمحلل السياسي والاجتماعي مراد علالة تفشي ظاهرة اقتحام البنوك والمصارف والسطو المسلح عليها بالرغبة في الربح اليسير والحصول على الأموال دون تقدير عواقب الطريقة التي يعمد إليها البعض لذلك.
وقال مراد علالة في تصريحات لسكاي نيوز عربية: “اليوم أصبح الحصول على المال بقطع النظر عن الطريقة هو الدافع وراء ارتكاب مثل هذه الجرائم، هو شكل مختلف عن بقية أشكال الربح المادي والبحث عن الثراء بأقصر الطرق، ولكنه طريقه لها تداعياتها ونتائجها المحفوفة بالتبعات القضائية، هناك رغبة في الحصول على المال كيفما اتفق ودون تقدير للعواقب القانونية والاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه الأصناف من الجريمة”.
وتابع المتحدث: “الأسباب التي تدفع الشباب أو حتى الكهول لإتيان مثل هذه الجرائم تتمحور أساسا حول الحاجة الماسة للمال، وانسداد الآفاق الاجتماعية والمهنية أمام هؤلاء، لا فرق اليوم بين من يقتحم بنكا للسطو المسلح على المال، وبين من يرمي بنفسه في قوارب الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، ففي النهاية العملية ناتجة عن حالة من اليأس وانسداد الآفاق يتخبط فيها هؤلاء.”
ويشير في حديثه للموقع إلى أن “هناك حالة من التطبيع مع الجريمة والاستهانة بعواقبها، لا يمكن لهذه الظاهرة إلا أن تفسر بالتطبيع مع الجريمة وهي ظاهرة أيضا تفشت بكثرة في البلاد.”