تحاول المملكة العربية السعودية، هذا الأسبوع، للمرة الثالثة، عرض خطط طموحة لإصلاح اقتصادها وجعله منفتحاً، من خلال مبادرة مستقبل الاستثمار التي تستضيفها الرياض والمعروفة باسم دافوس الصحراء. المبادرة انطلقت في عام 2017، لكنها تعرضت للمقاطعة العام الماضي، بسبب القتل المروع للصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، إذ قاطع مؤتمرَ العام الماضي شخصياتٌ من المصرفيين ورجال الأعمال والسياسيين، وهو من يُنظَّم المؤتمر لأجلهم.
إغراءات سعودية
لقد عاد بعضهم الآن بعد إغراءات سعودية باحتمالية بيع أصول الدولة مثل شركة أرامكو، وهي شركة النفط الحكومية المربحة على نحوٍ هائل. بالتأكيد فإن أجندة الإصلاح ورغبة المملكة في دفع البلاد والشباب الذين تأثروا بتعصُّب الإسلام الوهابي إلى دخول القرن الحادي والعشرين، هي أهداف سيؤثر نجاحها أو فشلها، في تشكيل المنطقة والعالم الإسلامي. لكن الحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 34 عاماً، يجب ألا يفلت من العقاب في جريمة قتل، تقول وكالات الاستخبارات إنه حتماً أعطى تفويضاً بتنفيذها، بحسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
الرياض ترفض ضغوط أميركا بخصوص أسعار النفط/ رويترز
كان مقتل خاشقجي استباحة لدماء رجل وطني محترم. لقد جرى استدراج الرجل للدخول إلى القنصلية السعودية في إسطنبول لإنهاء بعض الوثائق الخاصة، لكن بعد دقائق من دخوله جرى خنقه وتقطيع جسده والتخلص منه بحيث لا يُعثر عليه مرة أخرى. وتقول السلطات السعودية إنها تحاكم 11 من عملائها، لاتهامهم بارتكاب هذه «العملية المارقة». ومع ذلك، فإن هذه الممارسات الغامضة التي تنتجها السعودية في التعامل مع هذا الحادث، لا تعبر عن أي نوع من المساءلة والمسؤولية لمحاسبة القتلة. فحتى دونالد ترامب، المدافع الشرس عن ولي العهد، وصف تعامل السعوديين مع هذه الفضيحة بأنه «أسوأ تغطية على الإطلاق»، بحسب الصحيفة البريطانية.
غياب التحقيق الشفاف
لكن سرعان ما تحول انتباه الرئيس الأمريكي إلى مشتريات الأسلحة السعودية، ووافق على جهود الرياض لوأد الفضيحة. وقال محمد بن سلمان لـCBS News، الشهر الماضي، إنه يتحمل «المسؤولية الكاملة» عن مقتل خاشقجي، لكونه واحداً من قادة السعودية، لكنه نفى أن يكون أصدر الأمر بعملية القتل. ومع ذلك، لا يوجد أي تلميح بوجود تحقيق شفاف يتبعه إجراء بموجب قواعد قانونية معترف بها.
ليست تلك هي الظلال الوحيدة المغيّمة على جهود الإصلاح التي تتميز بالسلطة فائقة المركزية لولي العهد. فقد تقلصت أيضاً تدفقات الاستثمار الداخلي اللازمة لجعل الاقتصاد أقل اعتماداً على النفط والقطاع العام. إضافة إلى ذلك، فمحاولات إجبار النخبة السعودية من أمراء العائلة الملكية وكبار المستثمرين على الاستثمار داخياً في البلاد، بالكاد ستوسع القطاع الخاص الهزيل للغاية بالفعل.
صورة للصحفي الراحل يحملها صحفي أمام القنصلية السعودية في إسطنبول/ رويترز
فوق كل ذلك، يأتي طموح ولي العهد إلى الطرح الجزئي لأسهم شركة أرامكو السعودية في البورصة، إذ قدَّر ولي العهد سابقاً القيمة السوقية للشركة -درَّة التاج الملكي السعودي- بتريليوني دولار. يرى محللون جادون، عكس المصرفيين الذين يتملقون ولي العهد لتحقيق رسوم مربحة، أن هذه القيمة غير واقعية. هذا هو الحال بعد الهجوم الذي شنته طائرات من دون طيار وصواريخ في الشهر الماضي، على منشآت أرامكو، والذي تتهم الولايات المتحدة إيران بالوقوف وراءه، وبالكاد ردَّت عليه إدارة ترامب. يبدو أن الأمير محمد بن سلمان، الذي ورط المملكة في حرب لا يمكن أن يفوز بها في اليمن، لا يفهم سوى قليل عن النواحي الجيوسياسية أو الطبيعة الهشة للمملكة التي سوف يرثها، بحسب الصحيفة البريطانية.
ولا يبدو أن تداعيات مقتل خاشقجي قد أثرت فيه. ويقول تحقيق للأمم المتحدة، باستخدام أشرطة صوتية من التنصت التركي على القنصلية السعودية في إسطنبول، إن خاشقجي كان ضحية لعملية قتل متعمد على أيدي فرقة سعودية أُرسلت من الرياض على متن طائرات رسمية بجوازات سفر دبلوماسية، وهذه الفرقة من الدائرة الداخلية المقربة لولي العهد السعودي. من المفترض أن سعود القحطاني، المنفذ والمشتبه فيه الرئيسي بهذه القضية الآثمة، قد أُقيل من منصبه، لكن يبدو أنه لا يزال هناك وجود غامض له في البلاط الملكي. لكن لكل هذه الأسباب، لا ينبغي لأحد أن يصدِّق تعويذة ولي العهد الإصلاحية، في ظل استمرار مثل هذه الأمور.