في الانتخابات الماضية كان تسريب إيميلات هيلاري كلينتون أحد أسباب فوز دونالد ترامب، فهل يعيد التاريخ نفسه وتنجح خطة رودي جولياني بتسريب إيميلات عائلة بايدن، أم أنها قد ترتد وتصيب ترامب نفسه في مقتل هذه المرة؟
وكالة The Associated Press الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “واقعة إيميلات بايدن تكشف عن الخطر المُعرَّض له ترامب من جولياني”، تناول كواليس القصة، والتحقيقات المخابراتية فيها، وما قد تكشف عنه في الأمتار الأخيرة من السباق الانتخابي الأشرس.
لابتوب مهجور وعميل روسي ومحامي ترامب
دقت قصة إحدى صحف نيويورك المُحيِّرة، عن حصولها على إيميلات جو بايدن من ابنه نفسه، جرسَ الإنذار، وتتمثل واحدة من أهم التحذيرات التي أثارتها في مصدر هذه الإيميلات، وهو رودي جولياني.
وسافر جولياني للخارج للبحث عن فضائح تتعلق بعائلة بايدن، وطوَّر خلال ذلك علاقات مع شخصيات مريبة، من بينها محام أوكراني وصفه المسؤولون الأمريكيون بأنه عميل روسي، وجزء من جهود روسية أوسع لتشويه سمعة المرشح الرئاسي الديمقراطي.
ومع ذلك، يقول جولياني إنَّ تلك المصادر الأجنبية لم تكن هي من زوده برسائل هانتر بايدن -نجل جو بايدن- الإلكترونية، بل إنَّ حاسوباً محمولاً يضم الرسائل الإلكترونية والصور الشخصية تُرِك ببساطة في ورشة إصلاح بولاية ديلاوير، وتواصل صاحب المتجر مع محامي جولياني.
لكن لم يمنع ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي من التحقيق فيما إذا كانت رسائل البريد الإلكتروني تلك جزءاً من عملية تأثير سياسي خارجي، وظهرت رسائل البريد الإلكتروني في الوقت الذي حذر فيه المسؤولون الأمريكيون من أنَّ روسيا تتدخل مرة أخرى هذا العام للتأثير في الانتخابات الأمريكية، بعد دعمها حملة ترامب لعام 2016 من خلال اختراق رسائل البريد الإلكتروني للديمقراطيين، وشن حملة سرية على وسائل التواصل الاجتماعي. وتؤكد واقعة الإيميلات الأخيرة الخطر الذي يمثله جولياني على الإدارة التي قضت سنوات في مواجهة تحقيق فيدرالي حول ما إذا كان شركاء ترامب قد نسقوا مع روسيا تأثيراتها.
ترامب لم ينأَ بنفسه عن القصة
وذكرت صحيفة The Washington Post، يوم الخميس 15 أكتوبر/تشرين الأول، أنَّ وكالات المخابرات حذَّرت البيت الأبيض، العام الماضي، من أنَّ جولياني كان هدفاً لعملية تأثير سياسي روسية. ونقلت الصحيفة عن 4 مسؤولين سابقين قولهم إنَّ هذا التقييم استند إلى معلومات، من بينها اتصالات اعترضتها، تُظهِر أنَّ جولياني تواصل مع أشخاص على صلة بالمخابرات الروسية، وأضافت أنَّ مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين حذَّر ترامب من أنَّ روسيا قد تكون تلاعبت بالمعلومات التي عاد بها جولياني من أوكرانيا، لكن ترامب تجاهل التحذير.
وإضافة إلى أنَّ ترامب لم ينأَ بنفسه بعيداً عن جولياني، وجعل رسائل البريد الإلكتروني المزعومة من هانتر بايدن إحدى نقاط حديثه الرئيسية في الأسابيع الأخيرة من حملته الانتخابية، في محاولة للتقليل من شأن منافسه الديمقراطي.
إثارة وعمليات أشبه بالجاسوسية
وبدأت صحيفة The New York Post، الصديقة لترامب، في نشر قصص عن رسائل البريد الإلكتروني يوم الأربعاء، 14 أكتوبر/تشرين الأول، قائلة إنها حصلت عليها من عمدة نيويورك السابق رودي جولياني، وأضافت الصحيفة أنَّ رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهانتر بايدن، وهو من سكان ولاية كاليفورنيا، عُثِر عليها في حاسوب محمول سُلِّم للتصليح في ورشة بولاية ديلاوير من رجل مجهول لم يأتِ لاسترجاعه قط، وأفادت بأنَّ صاحب المتجر سلَّمها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكنه أخذ نسخة من القرص الصلب وقدمها لمحامي جولياني.
ويحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي فيما إذا كانت رسائل البريد الإلكتروني تلك مرتبطة بعملية تأثير أجنبي، وذلك وفقاً لشخص غير مُصرَّح له بمناقشة التحقيق الجاري، وتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لوكالة The Associated Press، ولم يتضح النطاق الدقيق لما يجري التحقيق فيه، بيد أنَّ التقارير الخاصة بقلق وكالات الاستخبارات من جولياني بالكاد تحمل أية مفاجأة.
فقد ورد اسم أندري ديركاش، البرلماني الأوكراني، باعتباره أحد جهات الاتصال الرئيسية لجولياني، في تقييم استخباراتي صدر في شهر أغسطس/آب، يصف الجهود الروسية المنسقة لتقليل حظوظ المرشح الديمقراطي بايدن في الانتخابات الرئاسية، ووصف إعلانٌ لوزارة الخزانة الأمريكية، خاص بفرض عقوبات، صدر الشهر الماضي، ديركاش بأنه “عميل روسي نشط منذ أكثر من عقد”.
ولم يخجل جولياني من مناقشة اتصالاته الخارجية، بما في ذلك مع ديركاش. وفي ديسمبر/كانون الأول، نشر ديركاش عبر صفحته على فيسبوك صوراً له من لقاء مع جولياني في كييف، وساد الإحباط بشأن جولياني في الجناح الغربي من البيت الأبيض لمدة طويلة، إذ كان المحيطون بالرئيس يراقبون وهم يحبسون أنفاسهم جهود جولياني لإسقاط بايدن، ويخشون من أن ترتد وتصيب الرئيس نفسه.
واضطلع جولياني بدور محوري في تقديم نظرية فقدت مصداقيتها، مفادها أنَّ أوكرانيا، وليس روسيا، هي التي تدخلت في انتخابات 2016، وكانت جهوده الغامضة لحمل أوكرانيا على فتح تحقيقات بشأن بايدن ونجله هانتر من بين الفتيل الذي أشعل قضية المحاكمة البرلمانية لترامب.
وحتى المنتقدون في محيط الرئيس يُقرِّون أنَّ جولياني مثَّل قوة في الدفاع عن ترامب خلال التحقيق المُطوَّل الذي أجراه المستشار الخاص روبرت مولر في التدخلات الروسية في انتخابات 2016. وسَرَد التحقيق تفاصيل اتصالات مكثفة بين حملة ترامب وروسيا، لكنه لم يزعم وجود مؤامرة إجرامية بين الاثنين لإحباط انتخابات 2016. ومع ذلك فإنَّ الجهود المبذولة لتقويض روبرت مولر قادت جولياني إلى أوكرانيا، الأمر الذي يشعر الكثيرون أنه أدى مباشرة إلى المحاكمة البرلمانية لترامب، التي برأه فيها مجلس الشيوخ في فبراير/شباط.
وكانت حملة ترامب تُروِّج لمزاعم الفساد ضد بايدن منذ أكثر من عام، مع دفع الرئيس لنظرية فقدت مصداقيتها على نطاق واسع، بأنَّ نائب الرئيس سعى إلى طرد المدعي العام الأوكراني لحماية ابنه من الخضوع للتحقيق. وعلى الرغم من أنَّ شركاء ترامب يعتقدون أنه يمكن إثبات أنَّ هانتر جمع ثروة من خلال بيع حق الوصول إلى والده، فإنهم يخشون أن يؤدي افتقار جولياني إلى المصداقية إلى انهيار تلك المزاعم.