انتشرت خلال الأيام القليلة الماضية على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي وقائع عنصرية وتنمر تعرض لهما طفلان عربيان في تركيا، انتهت أحداث القصة الأولى مساء يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 2019 بانتحار الطفل السوري وائل السعودي ذي التسعة أعوام حيث عثر سكان حي أجيسو بمدينة كارتبا التابعة لمحافظة كوجالي عليه مشنوقاً على بوابة مقبرة الحي، بعد أن تعرض لوقائع تنمر وعنصرية على يد زملائه في المدرسة وتعرضه يوم الواقعة للتوبيخ من مدرس بالمدرسة وفق ما ذكرته صحيفة «يني شفق»، وعلى الجانب الرسمي أعلنت وزارة التربية والتعليم التركية عدم صحة تعرضه للتنمر والعنصرية وأن الطفل كان محبوباً بين المعلمين والتلاميذ وأشارت في أول بيان لها بخصوص الواقعة إلى أنه جار التحقيق في الواقعة.
وفي مساء يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 2019، شهدت مدينة مرسين الحدودية واقعة اعتداء وحشي على طفل أردني يبلغ من العمر خمس سنوات ووالدته أثناء حوار بين الأم وسيدة تركية في إحدى التجمعات السكنية بحي أك دينيز، حيث أظهر مقطع فيديو متداول اقتحام الجاني للحوار وصفع الطفل بشكل وحشي أدى إلى سقوط الطفل على الأرض، ثم قام بنهر وتوبيخ والدة الطفل وقام بدفعها بقوة بيده وقال لها «اخرسي واذهبي من هنا»، وفي وقت لاحق استدعت الشرطة المعتدي N.D لأخذ أقواله بعد أن تقدمت والدة الطفل بشكوى في حقه ثم أطلقت سراحه قبل أن تلقي القبض عليه صباح اليوم التالي للواقعة تنفيذاً لقرار نيابة مرسين، وفق ما نشرته CNN TURK.
وقائع أثارت حفيظة المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي، أتراك وعرب وعبروا من خلال تغريداتهم عن تضامنهم الكامل مع الضحايا وأكدوا على رفضهم القاطع للعنصرية والتمييز وخصوصاً في حق الأطفال.
وعلى صعيد الأوساط العربية المقيمة في تركيا فإنها تعيش حالة من القلق نتيجة تكرار وقائع العنصرية في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ وتطور أساليب الممارسة وزيادة حجم الضرر على الضحايا.
فبعد أن كان الغالب على الوقائع العنصرية هو نظرات حادة أو ألفاظ استعلائية أو تعبر عن رفض وجود العرب في تركيا، أصبحنا أمام وقائع لا تنتهي عند اعتداء بمعاملة لفظية سيئة بل وصلت إلى حد الاعتداء الجسدي بالضرب والدفع بالإضافة إلى اللفظي.
ارتبطت وتيرة الوقائع التصاعدية كماً وكيفاً مع صعود حزب الشعب الجمهوري واستحواذه على رئاسة بعض البلديات الكبرى وفي مقدمتها «إسطنبول وأنقرة»، وفق نتائج انتخابات 31 مارس/آذار 2019، وهذ ما يؤكد أن منفذي هذه الاعتداءات من أنصار حزب الشعب الجمهوري المعارض تسببت نتائج الانتخابات البلدية «الإيجابية لحزبهم» في حالة من التجرؤ على القيام بأعمال عدائية وإلحاق الضرر مادياً ومعنوياً بأي عربي تسوقه الأقدار إلى التعامل معهم.
حالة من التحفز والعدائية تسيطر على قطاع من مناصري حزب الشعب الجمهوري تجاه العرب لها جذور في أدبياتهم وبعض الأمور التي يمكن أن تكون أسباباً مباشرة لهذه الحالة فمنها على سبيل المثال:
1- يعتبر العداء للعرب واللغة العربية في ثقافة الكماليين ونظامهم التعليمي من أهم القواعد الفكرية للمنتمين لهذا التيار المتأثر بالغرب ثقافياً وفكرياً، وهذا ما تحدث عنه الكثير من الكتاب والمفكرين الأتراك ومنهم الأستاذ «atilla yayla» في مقال بعنوان «هل العنصرية والتمييز ضد العرب واللغة العربية أمر طبيعي؟» وانتقد فيه النظام التعليمي والثقافي للكماليين القائم على العنصرية والدونية للعرب ولغتهم ودافع عن العرب كأمة لها تاريخ وأثر في كل العلوم واللغة العربية ليست فقط لغة مقدسة باعتبارها لغة القرآن ولكنها من أغنى وأجمل اللغات في العالم ودعاهم إلى التوقف عن هذا النهج العنصري.
2- حملات الكراهية التي يطلقها أنصار الحزب على مواقع التواصل الاجتماعي التي تستهدف العرب واللغة العربية لا تتوقف ويعبر من خلالها المناصرون عن كراهيتهم للعرب من خلال هاشتاغات منها «ليغرب السوريون عن بلادنا، تركيا للأتراك» ولعل آخر هذه الهاشتاغات نحن نُستعرب » Araplaştıracağız» ويتهم المغردون عبر هذا الهاشتاغ الحكومة التركية بأنها تسعى لتعريب تركيا وأنهم فاقدو الانتماء للأمة التركية، وهو ما يلقى استحسان المناصرين، وتجد مثل هذه الحملات استهجان المغردين الأتراك غير المنتمين للكماليين ويعبرون عن دهشتهم من هذه العدائية من تيار من المفترض أن مبادئه الفكرية والثقافية قائمة على قبول الآخر وعدم التمييز والديمقراطية.
3- نشر أخبار سياسية كاذبة بخصوص مميزات يحصل عليها العرب وخاصةً السوريين فتجدهم يتحدثون عن قيام الحكومة التركية مثلاً بالإنفاق على السوريين ومنحهم امتيازات مالية ومرتبات شهرية وتسهيلات في ممارسة الأنشطة التجارية وإعفائهم من الضرائب في الوقت الذي يعاني منه التركي في وطنه من صعوبات في إيجاد فرص العمل ودفع الضرائب وارتفاع تكاليف المعيشة، وبالتأكيد لاقت هذه الشائعات رواجاً نسبياً بين المواطنين الأتراك بشكل دفع الحكومة إلى توضيح الأمر عدة مرات.
أما عن استخدام أحزاب المعارضة لقضية اللاجئين والعرب فحدث ولا حرج فمنهم من وضع في أولوياته ترحيل السوريين والتضييق على الوجود العربي بتشديد الإجراءات كونهم السبب الرئيسي لما يعانيه المواطن التركي من أزمات وصعوبات معيشية، حتى أن حزب الـ IYI «الذي تتزعمه ميرال أكشنار»والمُجنسة أسرتها ضمن القادمون من بلغاريا», كتب على لافتات دعائية له «حتى لا تكون الفاتح للسوريين» و»حتى لا تباع المناطق التاريخية لقطر» دعاية سوداء تستهدف حزب العدالة والتنمية بتأليب الشارع التركي عليه من جهة وخلق ضغائن نحو العرب المقيمين في تركيا من جهة أخرى.
خطاب سلبي نتج عنه بعض الاعتداءات والممارسات العنصرية التي وإن زادت وتيرتها لا تعكس التوجه العام للقطاع الأكبر من الشعب التركي الذي ما زال يتعامل بشكل جيد مع الأجانب ومنهم العرب، لتظل الشريحة التي تنعكس هذه الخطابات على سلوكه وتحكم تعامله مع العرب الأقل.
وكان من بين الوقائع التي رصدناها في الفترة الأخيرة «بعد تولي أكرم إمام أوغلو رئاسة بلدية إسطنبول» هي تعرض زوجة شاب مصري للتهديد من مكتب رئيس بلدية إسطنبول الحالي أكرم إمام أوغلو بمدينة بيلك دوزو، بعد رفضها استخدام مشكلة زوجها في دعاية حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية الأخيرة.
كما شهدت مدرسة آغا أوغلو لقاء عدد من أولياء الأمور بمدير المدرسة ومطالبته بنقل الطلاب الأجانب من فصول أولادهم أو نقل الطلاب الأجانب من المدرسة بتاتاً وهذا إن تم يكون الأفضل، ولكن الرجل غضب منهم جداً وقال لهم إن أي مقيم في تركيا لديه إقامة تصدرها الدولة له كامل الحقوق في أن يتعلم مثل حق أولادكم تماماً وإننا لا نفرق بين الطلاب في خدماتنا التعليمية ووظيفتنا قائمة على هذا الأساس.
وفي إسطنبول أيضاً عانت السيدة المسنة التي تؤدي فروض الصلاة في المسجد المقابل لمنزلها من عنصرية أحد رواد المسجد الذي يتعمد إنزال ستارة وضعتها إدارة المسجد حتى تتمكن السيدة من الصلاة، والغريب في الأمر أن الرجل الخمسيني لا يطيق رؤية أي عربي، وشهد المسجد العديد من الوقائع التي يتعمد فيها الرجل دفع أي عربي بقدمه أو بيده أثناء مروره بجوار أي عربي ولا يتوقف لسانه عن خطابات العنصرية إذا سمع أحداً ينطق بالعربية أمامه!
وأمام سوبر ماركت بيم تعرض طفل مصري للضرب على يد شابين أثناء عبوره من أمام مخزن السوبر ماركت بسبب أنه عربي، وتقول طفلة في الصف الرابع أن المعلمة دائماً ما تقوم بتوبيخ التلاميذ الأتراك في كل مرة يكون الأول على الصف عربياً وتعايرهم بذلك وهو ما ينتج عنه غضب بعض التلاميذ الأتراك ويتربصون بعد ذلك بالأطفال العرب في المدرسة وتسببت هذه الوقائع في مشاحنات ومشاجرات أنهتها بعد ذلك إدارة المدرسة.
دور الدولة
على الصعيد الرسمي تعمل الحكومة التركية على مواجهة خطابات العنصرية وتوعية المواطنين من خلال البرامج التلفزيونية الدينية والاجتماعية التي تبثها قناة trt1 وخطب الجمعة لإعلاء قيم التعايش والمواطنة بين الأتراك والأجانب المقيمين في تركيا وتعظيم الروابط الإنسانية والدينية.
وكانت إدارة الشؤون الدينية قد خصصت خطبة جمعة عن الداعية ومحفظ القرآن الليبي عبدالعظيم الفراوي الذي ضحى بحياته من أجل إنقاذ مواطنين أتراك من الغرق بأحد شواطئ إسطنبول في أغسطس/آب الماضي.
المسار القانوني
حظرت المادة 10 من الدستور التركي العنصرية والتمييز بسبب العرق أو الدين أو الفكر أو المعتقد أو المذهب وتعتبر بذلك جريمة يعاقب عليها القانون وهناك مسار قانوني يستطيع من خلاله الضحية الحصول على حقه وذلك بالتوجه إلى أقرب قسم شرطة وتحرير محضر بالواقعة أو الذهاب مباشرة إلى النيابة العامة وتقديم الشكوى ومن ثم توجه النيابة مركز الشرطة التابع لها إلى مكان ارتكاب الواقعة باستدعاء المعتدي وأخذ إفادته وربما تأمر بالقبض عليه إذا ما دعت الضرورة ذلك أو كان الضرر الناتج عن الواقعة كبيراً مادياً أو معنوياً.
أيضاً يمكن الاتصال بـ157 والإبلاغ عن الواقعة باللغة العربية وفق ما حددته وزارة الداخلية وسعيها لتوفير خدمات تواصل باللغة العربية والتسهيل على المواطنين العرب عند الحاجة إلى الإبلاغ عن وقائع الاعتداء.
أما بالنسبة لما يمكن أن يتعرض له الأطفال في المدارس من زملائهم فيجب على الأسرة التواصل مع مدير/ة المدرسة وإبلاغهم بالواقعة حتى يتسنى لهم التدخل وحل المشكلة وتفادي عدم تكرارها مع أي طالب أجنبي وتوجيه مسؤولي الدعم النفسي في المدرسة بالتعامل مع التلاميذ ضحايا ومعتدين.
وأخيراً نود أن نشير إلى أهمية تعلم اللغة التركية بالنسبة للعرب المقيمين في تركيا كونها أهم وسائل الاتصال وبناء العلاقات بشكل سليم وتوضيح الأمور والتواصل بشكل يجعلك قادراً على فهم ما يحدث وإفهام من يقف أمامك وفي كثير من الأحيان ما يكون حاجز اللغة وعدم قدرة العربي على التواصل سبباً في تمادي الطرف الثاني خاصة إذا كان من الكماليين.